قال الأميني : ليت الأستاذ بعد شرحه (النهي) وجعله بدلاً عن (البغي) الموجود في مخطوط ديوانه يعرب عن معناه الحالي أو المفعولي ، ويعرف أنّ مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلّع الفحل ، وكأنّه يرى رأي شاكلته ملحم إبراهيم أسود في قوله : يوم الغدير واقعة حرب معروفة (١)!
فليته دلّنا على تلكَ الوقعة المسمّاة بوقعة الغدير ، وذكر شطراً من تاريخها ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (٢) ، (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٣).
الشاعر
أبو الحسن (٤) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي ، نزيل درب رباح بالكرخ ، هو أرفع راية للأدب العربيّ منشورة بين المشرق والمغرب ، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة ، وفي الرعيل الأوّل من ناشري لغة الضاد ، وموطِّدي أُسسها ، ورافعي عُلاليّها ، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ، ومن يمتّ بها وينتمي إليها لا تزال مذكورة مشكورة ، يشكرها الشعر والأدب ، تشكرها الفضيلة والحسب ، تشكرها العروبة والعرب ، وأكبر برهنة على هذه كلّها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة ، الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه ، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة ممّا ينضده ، ويذر المعنى المنظور كأنّه تجاه حاسّتك الباصرة ، ولا يأتي إلاّ بكلّ أسلوبٍ رصين ، أو رأيٍ حصيف ، أو وصفٍ بديع ، أو قصد مبتكر ، فكان مقدّماً على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه ، وكان يحضر جامع المنصور في أيّام الجمعات
__________________
(١) قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني : ص ٣٣١. (المؤلف)
(٢) الفتح : ١٥.
(٣) التوبة : ٤٥.
(٤) وفي بعض المصادر القديمة : أبو الحسين [كما في وفيات الأعيان : ٥ / ٣٥٩ رقم ٧٥٥ ، ومعالم العلماء : ص ١٤٨]. (المؤلف)