ويقرأ على الناس ديوان شعره (١). ولم أرَ الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في دمية القصر (٢) (ص ٧٦) : هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر ، وكاتب تحت كلِّ كلمة من كلماته كاعب ، وما في قصائده بيت يتحكّم عليه بلوّ وليت ، وهي مصبوبة في قوالب القلوب ، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.
أمّا شعره في المذهب فبرهنة وحِجاج ، فلا تجد فيه إلاّ حجّة دامغة ، أو ثناءً صادقاً ، أو تظلّماً مفجعاً ، ولعلّ هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحقّ له ، فبخست حقّه المعاجم ، فلم تأتِ عند ذكره إلاّ بطفائف هي دون بعض ما يجب له ، غير أنّ حقيقة فضله أبرزت نفسها ، ونشرت ذكره مع مهبِّ الصبا ، فأين ما حللت لا تجد لمهيار إلاّ ذكراً وشكراً وتعظيماً وتبجيلاً ، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.
ولعمر الحقِّ إنّ من المعاجز أنّ فارسيّا في العنصر يحاول قرض الشعر العربيِّ ، فيفوق أقرانه ولا يتأتّى لهم قرانه ، ويقتدى به عند الورد والصدر ، ولا بدع أن يكون من تخرّج على أئمّة العربيّة من بيت النبوّة وعاصرهم وآثر ولاءهم واقتصّ أثرهم كالعَلَمين الشريفين : المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمّة جمعاء المفيد ونظرائهم أن يكون هكذا ، ألا تاهت الظنون ، وأكدت المخائل في الحطِّ من كرامة الرجل بتقصير ترجمته ، أو التقصير في الإبانة عنه ، أو التحامل عليه بمخرقة ، والوقيعة فيه برميه بما يدنِّس ذيل أمانته ، كما فعل ابن الجوزي في المنتظم (٣) ، فجدع أرنبته باختلاق قضيّة مكذوبة عليه ، ورماه بالغلوّ ، وحاشاه عن كلِّ ذلك «إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً» (٤).
فهذا مهيار بأدبه الباذخ ، وفضله الشامخ ، وعَرفه الفائح ، ونوره الواضح ،
__________________
(١) تاريخ الخطيب البغدادي : ١٣ / ٢٧٦ [رقم ٧٢٣٩]. (المؤلف)
(٢) دمية القصر : ١ / ٣٠٣.
(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨.
(٤) الكهف : ٥.