فيها تعصّبه بقوله : اقبل وصيّة خليلك ، وامتثل شَوْرة نصيحك ، ولا تتمادَ في ميدان الجهل ينضّك ، ولا تتهافت في إلحاحٍ يغرّك ، واخش يا سيّدي أن يُقال : التحمت حرب البسوس من دم ضرع (١) ، واشتبكت حرب غطفان من أجل بعير قُرع ، وقُتل ألف فارسٍ برغيف الحولاء ، وصبَّ الله على العجم سوط عذاب بمزاح أبي العلاء (٢).
البيان :
حرب البسوس : البسوس بنت منقذ التميميّة ، زارت أختها أمّ جسّاس بن مرّة ، ومع البسوس جار لها من جرم يقال له سعد بن شمس ، ومعه ناقة له ، فرماها كليب وائل لمّا رآها في مرعىً قد حماه ، فأقبلت الناقة إلى صاحبها وهي ترغو وضرعها يش خب لبناً ودماً ، فلمّا رأى ما بها انطلق إلى البسوس فأخبرها بالقصّة ، فقالت :
وا ذلاّه وا غربتاه ، وأنشأت تقول أبياتاً تسمّيها العرب أبيات الفناء ، وهي :
لعمريَ لو أصبحتُ في دارِ مُنقذٍ |
|
لما ضيم سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي |
ولكنّني أصبحتُ في دارِ غربةٍ |
|
متى يعدُ فيها الذئبُ يعدُ على شاتي |
فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحلْ |
|
فإنّك في قومٍ عن الجارِ أمواتِ |
ودونك أذوادي فخذها وآتني |
|
بها حلّة لا يغدرون ببنياتي (٣) |
فسمعها ابن اختها جسّاس فقال لها : أيّتها الحرّة اهدئي ، فوالله لأقتلنّ بلقحة (٤) جارك كليباً ، ثمّ ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها ، ووقعت الحرب بين بكر وتغلب ، فدامت أربعين سنة ، وجرت خطوب وصار شؤم البسوس مثلاً ، ونُسِبت الحرب إليها وهي من أشهر حروب العرب.
__________________
(١) في المصدر ضرعٍ دَمِيَ.
(٢) ذكرها الثعالبي في ثمار القلوب : ص ٢٤٨ [ص ٣١٠ رقم ٤٦٨].
(٣) البنيات : الطرق الصغار ، تريد : عجّل السفر قبل أن يقطعوا الطريق عليَّ. (المؤلف)
(٤) اللقحة : الناقة الحامل. (المؤلف)