مرسل من الله ، يعترفون بأنّه إنسان مفكّر واع حقّق أعطم الانتصارات. فهل يمكن لمن شعاره الأساس «لا إله إلّا الله» ، وجهاده الرافض لأيّ نوع من أنواع الشرك والوثنيّة. وحياته برهان على الإباء ورفض الأصنام ، يترك فجأة سيرته تلك ليشيد بالأوثان؟!
ومن كلّ هذا نستنتج أنّ اسطورة الغرانيق من وضع أعداء سذّج ومخالفين لا يخافون الله ، اختلقوا هذا الحديث لإضعاف منزلة القرآن والرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لهذا نفى جميع الباحثين الإسلاميين من السنّة والشيعة هذا الحديث بقوّة واعتبروه مختلقا (١).
وذكر بعض المفسّرين تبريرا لهذه الإضافة بالقول : على فرض صحّة الحديث ، إلّا أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتلو سورة النجم وبلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) استغلّ بعض المشركين المعاندين هذه الفرصة ، فنادى بلحن خاص «تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى» فأشكلوا على الناس بالتشويش على كلام الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. إلّا أنّ الآيات اللاحقة ردّتهم بإدانتها الشديدة لعبادة الأصنام (٢).
ويتّضح أنّ بعضهم وجد في اسطورة الغرانيق نوعا من الرغبة لدى الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في كسب الوثنيين إلى صفوف المسلمين ، إلّا أنّ هذا القول يعني ارتكاب هؤلاء المفسّرين خطأ كبيرا ، ويدلّ على أنّ هؤلاء المسوّغين للوثنية لم يدركوا موقف الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إزاءها ، رغم أنّ المشهود تاريخيّا هو رفض الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم العطاء السخيّ من المشركين مقابل العدول عن رسالته الإسلامية ...
أو أنّ هؤلاء المبرّرين يتجاهلون ذلك متعمّدين.
__________________
(١) مجمع البيان ، تفسير الفخر الرازي ، القرطبي ، في ظلال القرآن ، تفسير الصافي ، روح المعاني ، والميزان ، وتفاسير أخرى للآيات موضع البحث.
(٢) تفسير القرطبي ، المجلّد السابع ، صفحة ٤٤٧ ـ والمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ذكره أيضا كأمر محتمل.