نهب ذخائر أفكاره مغلولة ، ولا تقطع شيئا من علائق قدرته ؛ فيزداد نور تحمله ، ويخيط نظره العبرة بخيوط الغيرة ، ولا يتراكم غبار تشتت البال على فكره ، فيرد البلاء ، ويأمن القضاء ؛ يشتري نتائج عقول الماضين بالمجان ، ويستضيء بالنار التي أشعلها الآخرون :
سعدت بنو بكر بشعر مساور (١) |
|
إن السعيد بغيره قد يسعد |
وفي الحديث النبوي : «السعيد من وعظ بغيره» (٢).
ومحمد المصطفى ، الذي أضاء المشرق والمغرب بنور نبوته وجلالته ، وعطّر العالمان من روائحهما ، ودان جبابرة العالم لشريعته ، والنجاة في الدارين رهن إشارته [١٤] وانكشفت به رقوم خذلان المخالفين ، ورسوم أمن وأمان المتابعين ، ولا ينال نسخ النحوس من كوكب شريعته إلى يوم القيامة ويظل دائرا محفوظا بختم محبته ، ويهب نسيم الصبا على حضرته :
__________________
(١) هو مساور بن هند بن قيس بن زهير العبسي كما في شرح حماسة أبي تمام (٢ / ٦٦٥).
(٢) في المبسوط للسرخسي (١١ / ٢٤٢) ، وكذلك الأصول له (٢ / ١٢٤) من غير عزو ، وعزي في مسند الشهاب (١ / ٧٩) للنبي (ص) ، وكذلك في كتاب الزهد للحسين بن سعيد الكوفي (ص ١٤) ، وفي الأمالي للصدوق (ص ٥٧٧) أن الإمام جعفر الصادق سئل عن جملة من قصار الحكم كان من بينها «السعيد من وعظ بغيره» لمن هي ، فقال إنها للنبي (ص) ، وهو كذلك في من لا يحضره الفقيه (٤ / ٣٧٧) للصدوق أيضا تحت عنوان «ومن ألفاظ رسول الله الموجزة التي لم يسبق إليها». ونسب للإمام علي في نهج البلاغة (١ / ١٥٠) وكذلك في الغارات للثقفي (٢ / ٥٠٢) ، وفي المناقب للموفق الخوارزميّ (ص ٣٧٦) عن أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر صاحب الجاحظ أن الجاحظ كان يقول زمانا «إن الأمير المؤمنين (ع) مئة كلمة ، كل كلمة منها تفي ألف كلمة من محاسن كلام العرب» ، وكان هذا القول من بينها. وعزي في كتاب السنة لابن أبي عاصم (٧٨) لعبد الله بن مسعود ، وكذلك في صحيح ابن حبان (١٤ / ٥٢).