فيكون قد مضى على زراعتها ألف وأربع مئة وخمس سنوات ، ثم إن في قطعها طيرة ، ولا ينتفع بها ، فقال عامل نيسابور ليس المتوكل من أولئك الخلفاء والملوك الذين يستطيع أحد ردّ أوامرهم ، ثم إن الشيخ أبا الطيب نصب الأمير عتاب بن ورقاء الشاعر الشّيبانيّ ـ وهو من أولاد الشاعر عمرو بن كلثوم ـ لهذا العمل ، فأوكل هذا الأمر إلى نجار ماهر لم يكن له نظير بنيسابور ، يدعى حسين النّجّار ، فأنفق وقتا طويلا في إعداد المنشار المناسب وبقية الأسباب [٢٨٢] وكانت استدارة ساق تلك الشجرة ـ كما ورد في الكتب ـ سبعة وعشرين عصا ، كل عصا رشو وربع بالذراع الشاهي ، وقيل إنه كان يتفيأ ظلالها ما يزيد على عشرة آلاف نعجة ، وحين لا يكون هناك آدمي أو نعاج وراع ، فإن الوحوش والسباع تستقر عندها ، وتأوي إلى أغصانها جموع لا يحصيها العدّ من الطيور المختلفة ، فلما سقطت تلك الشجرة ، اهتزت الأرض في تلك النواحي ، وأصيب كثير من القنوات والأبنية بالخلل ، وغطّت السماء ـ وقت صلاة العتمة ـ أنواع من الطيور كانت تنوح وتعول بأصوات مختلفة ، بهيئة جعلت الناس يتعجبون من ذلك ، كما ناحت وأعولت النعاج التي كانت تتفيأ ظلالها.
أنفق على حمل الشجرة بساقها وأغصانها وفروعها من كشمر إلى الجعفريّة خمس مئة ألف درهم ، وحملت فروعها وأغصانها على ألف وثلاث مئة بعير ، وحدث أن المتوكل قد قتل في تلك الليلة بأيدي غلمانه ، بينما كانت الشجرة قد وصلت إلى أحد منازل الجعفريّة ، ولم يرها أو يتمتع بها ، قال علي بن الجهم في قصيدة له :
فأل سرى بسبيله المتوكّل |
|
فالسرو يسري والمنية تنزل |
ما سربلت إلّا لأنّ إمامنا |
|
بالسيف من أولاده متسربل |
وكان ذلك في ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومئتين (١)
__________________
(١) هذا التاريخ (٣ شوال ٢٣٢ ه) هو التاريخ الذي تولى به المتوكل الحكم (انظر : مروج الذهب ، ٤ / ٤ ؛ ثمار القلوب ، ١٩٠ تحت عنوان : ليلة المتوكل) ، وينبغي أن يكون الصواب ٢٤٧ ه.