شكر لذة طلب العلم على قدر الاستطاعة والإمكان ، وينشدون بإخلاص وابتهال في الأوقات المباركة ثبات أقدامهم على جادة السنة والشريعة وبعون عناية سلاطين ذلك الزمان بلغوا أصول السعادة ، محترزين من المطامع الدنية ، والمطاعم الوبية :
وكان الصديق يزور الصديق |
|
لكسب المعالي ونشر العلوم |
فصار الصديق يزور الصديق |
|
لشكوى الزمان وبثّ الهموم (١) |
أما في هذه الأزمان غير المؤاتية والعصر الغدار ، والزمن الملآن بالمحن والفتن ، حيث الآمال والأماني على شفا الاضمحلال ، وجدة العلم لدى الناس منسوخة ، وعارفها كالعنقاء والكبريت الأحمر (٢) ، والكل يشكو جور الزمان :
زماننا ذا زمان سوء |
|
لا خير فيه ولا صلاحا |
فكلّنا منه في عناء |
|
طوبى لمن مات فاستراحا (٣) |
__________________
(١) في يتيمة الدهر (٤ / ٣٩٧) ورد لأبي سعد محمد بن أحمد الهرويّ :
وكان الصديق يزور الصديق |
|
لشرب المدام وعزف القيان |
فصار الصديق يزور الصديق |
|
لبث الهموم وشكوى الزمان |
(٢) العنقاء والكبريت الأحمر ، يضربان مثلا لكل شيء نادر الوجود أو معدومه ، أما العنقاء فهي طائر أسطوري وهو الطائر المسمى لدى الإيرانيين : سيمرغ ، ويقال في التراث العربيّ ، عنقاء مغرب ، قال المروزيّ في طبائع الحيوان (الورقة ٩ ب): «فأما الجود فهو في زماننا كالعنقاء المغرب أو كآوى أو كحباحب أوقيان أو وردان ، فإنها تسمع أخبارها ولا ترى آثارها». وأما الكبريت الأحمر ، فقد نقل البيروني عن محمد بن زكريا الرازي قوله : «الكبريت الأحمر متداول على الألسنة إلا أنه لا حقيقة له وهو غير موجود في عالم الوجود» ، لكنه نقل رأيا آخر يقول : «إن ما يقال له الكبريت الأحمر هو معدن كالذهب والفضة والنحاس وهو مادة غير سائلة ، ويوجد في ما وراء بلاد التبت في واد يسمونه وادي النمل» (الصيدنة ، ٥١٩). وقال في الجماهر (ص ١٨٥) «الذي يعتقده الخاصّة في الكبريت الأحمر أنه الياقوت الأحمر ... فأما عند العامة فإن الكبريت الأحمر هو الإكسير الذي يؤمل منه حصول شيء طبيعي حتى تستحيل الفضة به ذهبا إبريزا أحمر».
(٣) البيتان كما في معجم الأدباء (٤ / ١٦٦٥) لعلي بن أحمد الفنجكردي ومعهما بيت ثالث.