ولم تكن كل صفات ابن جبير السابقة سببا في ذيوع شهرته ؛ بل إن شهرته عائدة إلى تدوينه لرحلته التي اقترن اسمه بها. حيث زار فيها العديد من البلدان والأماكن وسجل مشاهداته فيها بإسلوب جميل بديع.
ولابن جبير ثلاث رحلات إلى المشرق ولكل رحلة سببها :
السبب الأساس للرحلة الأولى :
أداء فريضة الحج وقد سجل ابن جبير تفاصيلها. وأوضح المقري دافعه فيها قائلا : إنه كاتب السيد أبي سعيد (١) صاحب غرناطة الذي استدعاه ذات يوم ليدون له كتابا فلما ذهب ابن جبير إليه وجده على مائدة الشراب فطلب السيد من ابن جبير مشاركته فامتنع في البداية فألح السيد عليه فأصابه الخوف فعاد السيد وأصر عليه شرب سبعة أقداح منها. فلما فعل ابن جبير ملأها السيد سبع مرات بالدنانير وأفرغها في حجر ابن جبير الذي نذر أن يجعلها كفارة لما فعل ، وعزم على الخروج لأداء فريضة الحج ثم باع منزلا له ليكمل نفقات الرحلة فبدأ رحلته سنة ٥٧٨ ه / ١١٨٢ م (٢).
وحوت الرحلة العديد من المعلومات المختلفة في النواحي السياسية والحضارية ، والتي تهم الدارسين لتلك الفترة. فابن جبير قام بوصف كل ما شاهده في طريقه إلى الحجاز حتى عودته لغرناطة مرة أخرى عام ٥٨١ ه / ١١٨٥ م (٣). وتضم رحلته وصفا مفصلا لما كانت عليه الحجاز وخاصة مكة في ذلك الوقت حيث مكث بها ثمانية أشهر وثلث شهر (٤).
__________________
(١) أبو سعيد بن عبد المؤمن الكومي عقد له والده على سبتة سنه ٥٤٧ ه / ١١٥٢ م وعلى غرناطة سنة ٥٤٩ ه / ١١٥٤ م وقد أقره على غرناطة أخوه أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن عليها سنة ٥٦١ ه / ١١٥٦ م. انظر ابن أبي زرع : الأنيس المطرب ، ص ١٩٤ ، ١٩٦ ، ١٩٨ ، ٢٠٣ ؛ ابن خلدون : العبر ، ج ٦ ، ص ٢٢٩ ، ٢٣٦ ، ٢٣٩.
(٢) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٥ ـ ٣٨٦. وقد انفرد المقري بما ذكره حيث أن ابن جبير لم يشر لسبب عزمه إلى الحج والباعث له مع ملاحظة بعد المقري عن الحقبة التي عاش فيها ابن جبير مما يجعل تلك القصة مثار شك كبير خاصة وأن المقري لم يذكر مصدر قصته.
(٣) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٤٨٨.
(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٦١.