صفاته :
كان أديبا بارعا وشاعرا مجيدا سنيا فاضلا ، نزيه الهمة سري النفس ، كريم الأخلاق ، أنيق الخط ، ذا نظم ونثر بديع سهل حسن ، ومحاسنه عديدة ، ذائع الصيت ، مشهورا بالخير والصلاح (١). فأهّلته صفاته لتقلد أرفع المناصب في الدولة ، وهو الكتابة ، وأتاح له ذلك المنصب الاطلاع على العديد من الأمور المهمة والتي لا يتاح للمؤرخين العاديين معرفتها (٢).
ونلاحظ أن ما تميز به ابن جبير من صفات جعلت المقري يصفه بالمروءة والسعي في قضاء حوائج الناس والسعي لأداء واجب إخوانه عليه وإيناس الغرباء فقال : " إن صاحب كتاب الملتمس كان أحرص الناس على مصاهرة قاضي غرناطة أبي محمد عبد المنعم بن الفرس (٣) فجعل ابن جبير الواسطة في إتمام زواجه ولكن لم يوفق الله بينه وبينها ، فأتاه وشكى له ذلك ، فقال له : إنما ما كان القصد لي في اجتماعكما ولكن سعيت جهدي في غرضك وها أنا أسعي أيضا في افتراقكما إذ هو من غرضك وخرج من حينه وفصل القضية من غير أن يظهر عليه أدنى امتنان ؛ بل إنه أتاه بمائة دينار مؤمنية يريد أن يعطيها له يعوضه فيها عما خسره في زواجه هذا" (٤).
ومما يروى عن لسانه من شعر في حبه لقضاء الحوائج :
يحسب الناس بأني متعب |
|
في الشفاعات وكليف الورى |
والذي يتبعهم من ذاك لي |
|
راحة في غيرها لن أفكرا |
ويودي لو أقضي العمر في |
|
خدمة الطلاب حتى في الكرى (٥) |
__________________
(١) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٧٨ ؛ ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٢ ، ص ٢٣١.
(٢) القلقشندي : صبح الأعشى ، ج ٦ ، ص ١٨٨.
(٣) عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي المعروف بابن الفرس ولي القضاء بجزيرة شقر وبمدينة وادي آشى ثم بجيان ثم بغرناطة وكان له النظر في الحسبة والشرطة له عدة مؤلفات منها كتاب الأحكام مولده سنه ٥٢٤ ه / ١١٢٩ م وتوفي سنة ٥٩٧ ه / ١٢٠٠ م. انظر النباهي : تاريخ قضاة الأندلس ، ص ١٠٠ ؛ ابن فرحون : الديباج المذهب ، ج ٢ ، ص ١٣٣ ـ ١٣٥.
(٤) المقري : نفح الطيب ، ج ٣ ، ص ٢٩٥ ـ ٢٩٦.
(٥) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٨٨.