ويبدو أن هذا الاسم الأخير ليس اسما لرحلته التي اشتهر بها ، وإنما هي رسالة مستقلة. فقد أشار إلى ذلك إشارة طفيفة ابن عبد الملك المراكشي في كتابه الذيل والتكملة حيث قال : " وله مقالة سماها رسالة اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك كتب بها إلى وليه أبي الحسن بن مقصير من علماء فاس عند عودته إلى المشرق في ذي القعدة سنة ٥٩٣ ه / ١١٩٦ م" (١).
ونلاحظ هنا أنه ذكرها بلفظ رسالة وليس رحلة ، وأنه كتب بها إليه سنة ٥٩٣ ه / ١١٩٦ م. ومن المعروف أن زمن رحلته الأولى سنة ٥٧٨ ه / ١١٨٢ م وتاريخ إرسال هذه الرسالة في فترة سابقة ما بين رحلته الثانية والثالثة (٢). ومما يؤيد ذلك أن عنوان الرحلة التي بين أيدينا تذكرة بالأخبار عن اتفاق الأسفار كما هو مدون في بدايتها (٣).
ومما سبق يتضح أنها رسالة مستقلة. إما أن تكون وصفا لرحلته الثانية وتقتصر على الآثار الكريمة والمناسك وإما أن تكون جزءا مأخوذا من الرحلة الأولى اشتمل فقط على الآثار الكريمة والمناسك. وهذا كله يدعم القول : بأنها مختلفة عن الرحلة التي اشتهر بها وهذا ما لم يشر إليه أحد.
وقد كان ابن جبير ناظما للشعر والنثر. له أشعار كثيرة منها : ديوان شعر يعرف بنظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان (٤). وله جزء آخر سماه نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح. في رثاء زوجته أم المجد (٥).
وأشار شكيب أرسلان إلى عدم صحة ما قيل : في أن الرحلة ليست من تأليفه (٦) إذ قال" وهذا غير صحيح لأن نسجه معروف وأسلوبه العالي واحد لا تختلف فيه جملة عن جملة وديباجة كلام ابن جبير لا تخفى على أحد" (٧).
__________________
(١) المراكشي : الذيل والتكملة ، ج ٥ ، قسم ٢ ، ص ٦٠٤.
(٢) المقرى : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٤٨٩ ، فرحلته الثالثة كانت سنة ٦٠٢ ه / ١٢٠٥ م. انظر ما سبق ص ٩٢ ، هامش ٤.
(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧.
(٤) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٧٨.
(٥) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ٣ ، ص ١١٨.
(٦) ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، ج ١ ، ص ٢٨٠.
(٧) شكيب أرسلان : الحلل السندسية ، ج ٣ ، ص ١١٨.