مكانة ابن جبير الاجتماعية :
تلقى ابن جبير العلم على عدد كبير من العلماء. وقد ذهب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري إلى القول : بأنهم أربعة وعشرون شيخا (١) ، وهذا عدد قليل بالنسبة لشخص بلغ هذه المكانة مع تعدد رحلاته إلى المشرق. فهو بلا شك تلقى العلم على الكثير منهم خلال رحلاته. ولعل السبب عائد إلى عدم ذكره أو ترجمته لهم بل اكتفى أحيانا بإيراد الاسم الأول أو اللقب أو الشهرة مما أدى إلى صعوبة تتبعهم والعثور على تراجم وافية لهم. وهو في هذه الناحية يختلف عن غيره من الرحالة الذين انتهجوا منهج الرحلات الوصفية والبرامج ، من حيث الترجمة الكاملة لمشايخهم التي قد لا توجد بهذه السعة والشمول لدى كتاب التراجم من حيث الإشارة لأماكن التدريس والمؤلفات وغيرها من الأمور المتعلقة بهم.
وقد بلغ ابن جبير مكانة عالية إذ يقول المنذري : " إنه كان مقدما في بلاده" (٢). فارتفاع مكانته عائد لعلمه ومجالسته لعلماء المشرق وغيرهم ، بالإضافة إلى كونه كاتب أمير غرناطة المرموق ، بفضل ما تمتع به من جمال النظم سواء كان شعرا أو نثرا ، وإن كانت شهرته النثرية أغلب عليه وتدل عليها رحلته المدونة والشاهدة على دقته وبراعته. وقد أشار إلى ذلك العلامة ابن جابر الوادي آشي عقب وصفه لدمشق حيث قال : " ولقد أحسن فيما وصف منها وأجاد وتوق الأنفس للتطلع على صورتها بما أفاد هذا ولم تكن له بها إقامة فيعرب عنها بحقيقة علامة وما وصف ذهبيات أصيلها وقد حان من الشمس غروب ولا أزمان فصولها المتنوعة ولا أوقات سرورها المهنئات ولقد أنصف من قال ألفيتها كما تصف الألسن وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين" (٣).
__________________
(١) عبد القدوس الأنصاري : مع ابن جبير في رحلته ، ص ٣٩.
(٢) المنذري : التكملة ، ج ٢ ، ص ٤٠٧.
(٣) المقري : نفح الطيب ، ج ٢ ، ص ٣٨٧.