مميزات رحلة ابن جبير :
قبل البدء في بيان مميزات الرحلة لا بد من إبداء ملاحظة لعل الكثيرين غفلوا عنها. وهي عدم عودته بعد أداء فريضة الحج رأسا إلى غرناطة من الطريق التي آتى منها عبر مصر ثم عبوره البحر الأحمر إلى جدة. فهو قد عاهد الله تعالى بعدم عبوره مرة أخرى بسبب ما قاساه من أهوال ومشقة (١).
وحيث إنه لم يكن هناك إلا طريق البحر وطريق البر الذي سيطر عليه الصليبيون في تلك الفترة ، فلم يكن أمامه سوى الذهاب إلى العراق وغيرها من مدن الشام. ثم عودته بحرا إلى الأندلس ؛ فلولا ما حلف به لسلك نفس الطريق.
لقد امتازت رحلة ابن جبير بالعديد من المميزات ومنها : تدوينها على هيئة يوميات ؛ لذا كان وصفه شاملا مفصلا مع إثبات ذلك بالتاريخين الهجري والميلادي. وهذا يخالف ما ذهب إليه كراتشكوفسكى من أنه دونها بعد رجوعه (٢) فالدلائل كلها تشير إلى تقييدها يوما بيوم.
ومنها أيضا عنايته الكبيرة بوصف المدن التي مر بها ، وخاصة مكة المكرمة وآثارها ومعالمها الدينية وأسواقها ومساجدها وغيرها. كما تطرق للناحية الاقتصادية بالحجاز وخاصة المكوس المفروضة على الحجاج في شيء من التفصيل. ولا يفهم من هذا أنه قد أفرد للجانب الاقتصادي مبحثا خاصا ، ولكنه يستنتج من خلال كلامه ومن واقع معايشته هناك.
وحفلت رحلته بالمدح والثناء على عدد كبير من الأموات والأحياء لصلاحهم وتقواهم (٣).
__________________
(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٢.
(٢) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ٢٢٩.
(٣) كان المسلمون في تلك الفترة يعتقدون بالصالحين والأولياء وخاصة الميتين منهم حيث كانوا يشيدون لهم الأضرحة ويتقربون إليهم بالدعاء وهذا في الواقع بدعة منكرة وغير مقبولة فالدعاء والعبادة لله وحده.