اتصفت رحلة ابن جبير ببعض المبالغات والتي قد تصل إلى حد التهويل لما يشاهده ليظهر مدى إعجابه أو استنكاره لما يصفه. وبالرغم من أهمية رحلة ابن جبير إلا أنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية والتي كان من المفروض عليه التحري عنها مثل مكان مولد الحسن والحسين رضياللهعنهما ، حيث ذكر أنه بمكة المكرمة (١). ولا ريب أن اشتهار هذا الأمر بين العامة من أهل مكة المكرمة جعله يقع في مثل هذا الخطأ.
ويلوح لقارىء رحلة ابن جبير استشهاده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مكانها الملائم في الرحلة ؛ إضافة إلى استعماله لبعض الكلمات العامية المستخدمة لدى أهل كل بلد مر به. ونلمس خلق ابن جبير في مدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم بدون تجاوز أو تطاول (٢). وعمل ابن جبير على التأكد مما يشاع بين الناس عن زيادة ماء زمزم ، وقيامه بقياسه للتأكد فعلا من زيادته أو نقصانه في منتصف شهر شعبان. حيث أثبت بطلان زعم زيادته.
إضافة إلى عنايته الفائقة بتسجيل النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بأسلوب سهل واضح أعطى لرحلته قيمة علمية كبيرة أثرت كثيرا فيمن تلاه من الرحالة فنقلوا عنه بعض عباراته ، مثل ابن بطوطة والبلوي.
وقد كان ابن جبير ملما بالنواحي التاريخية ، كثير المغالاة في التعظيم والتبرك بالآثار المقدسة ، وهو أمر شائع في تلك الفترة بين المسلمين مع ملاحظة عدم اعتنائه بذكر مصدرها ، فغالبا ما يبدأ ذكر ذلك بلفظ يذكر .. ويقال وغيرها من الألفاظ التي لا تفيد التوثيق.
__________________
(١) والصحيح ولادتهما بالمدينة المنورة : انظر فيما بعد ، ص ٣٥٨.
(٢) مدحه لصلاح الدين الأيوبي وذمه لمكثر أمير مكة.