أساسا من مصادر التاريخ تحتوي على معلومات ذات قدر كبير من الأهمية ، وهي كتب الرحلات والتي لم تنل ما تستحقه من الدراسة على اعتبار أنها من أوفى المصادر وأوثقها ؛ بل وأشملها فيما يتعلق بالحجاز من النواحي التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجغرافية. حيث ينفرد هذا النوع من المصادر بأهمية خاصة ، فإلى جانب أن مصنفي هذا النوع من الكتب اتسمت منهجيتهم بتسجيل ارتساماتهم عن مشاهداتهم في مسارهم الطويل جيئة وذهابا فوصفوا البلاد ومعالمها ، والعباد وعاداتهم في قالب أدبي قد يطول أو يقصر حسب ميلهم وما رسموه لأنفسهم. فنراهم ينوهون بأسماء شيوخهم مع تراجم مطولة أو موجزة مسجلين إجازاتهم ذاكرين أسماء نفيس المصنفات التي اطلعوا عليها ، إضافة إلى وصف المسجدين الشريفين المكي والمدني والمشاهد الإسلامية المقدسة.
ولهذا تنفرد كتب الرحلات بأهمية خاصة. فإلى جانب ما سبق ، فإن مصنفي هذا النوع من المصادر قد شهدوا ما دونوه في أغلب الأحيان ؛ لذا اشتملت مصنفاتهم على بعض المعلومات التي تلقي الضوء على الجوانب المختلفة من تاريخ الحجاز.
ولا يغرب عن بالنا : أن الحجاز قد دخل دائرة النسيان بعد القرن الثالث الهجري بمجرد وفاة مؤرخي الحجاز ، الأزرقي المتوفى سنة ٢٥٠ ه / ٨٦٤ م ، والفاكهي المتوفى سنة ٢٨٠ ه / ٨٩٣ م. (١)
وكان تاريخ الحجاز خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث الهجري إلى الثامن الهجري مبعثرا بين طيات المصادر التاريخية ؛ إضافة إلى أن ما كتب عن تاريخه لا يوضح ما وقع فيه من أحداث ولا يتناول إلا الجانب السياسي في
__________________
(١) عبد الله عقيل عنقاوي : المؤرخ تقي الدين الفاسي وكتابه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام. بحث ألقي في الندوة الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية ضمن مجموعة أبحاث مصادر تاريخ الجزيرة العربية ، الرياض ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ م ، ج ٢ ، ص ٦٣.