بدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين المجاورين وذكر أماكن تواجد المساكين والمنقطعين فقال يكون بالأفران حيث" يطبخ هناك أهل مكة أخبازهم فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله يتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له ولا يردهم خائبين. ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيّب النفس بذلك من غير ضجر".
ومن حميد عاداتهم أيضا اعتناؤهم بالأيتام ومساعدتهم على تعلّم طرق الكسب الحلال. حيث اعتاد الأيتام الصغار الجلوس في السوق ومع كل واحد منهم قفّتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة. ويسمون القفة مكتلا فيأتي الرجل من أهل مكة إلى السوق فيشتري الحبوب واللحم والخضر ويعطي ذلك للصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفّتيه واللحم والخضر في الأخرى ، ويحمل الصبي ذلك إلى دار الرجل ليهّيأ له طعامه منها مقابل أجر معلوم. في حين يتجه الرجل لقضاء أعماله (١).
وقد أشار ابن بطوطة إلى كثرة استعمال أهل مكة للطيب والكحل والسواك. ووصف نساء مكة بأنهن فائقات الحسن بارعات الجمال ، تميزن بالصلاح والعفاف ومشاركتهّن الرجال في حبّهن للطيب لدرجة استبداله بالقوت والطعام. كما حرصت النساء على الطواف في ليلة الجمعة فيذهبن إلى المسجد الحرام في أحسن لباس فيغلب عند ذلك على الحرم رائحة طيبهّن حتى بعد ذهابهّن يبقى أثر الطيب عبقا (٢).
__________________
(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٣٧ ، كانت هذه العادة موجودة إلى وقت قريب جدا وقبل التوسع العمراني الذي رافق الطفرة الاقتصادية.
(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٥١ ؛ ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٩ ؛ وفي هذا تجاوز للشريعة الإسلامية والتي أمرت بعدم الطيب للمرأة حال خروجها من المنزل فقد روي عن زينب امرأة عبد الله قالت (قال انا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا). انظر مسلم : صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٦٣.