ولعل سبب ظهور مثل هذه البدع المفسدة للعقيدة راجع أيضا إلى ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة ، واقتصار العلماء على التعليم والحديث دون التعرض لذلك إلا من قلة (١). إضافة إلى ضعف الوازع الديني في نفوس سدنة بيت الله الحرام وسعيهم وراء المال بطرق غير مشروعة.
كما ظهر من البدع زمن وجود ابن رشيد والتي لم يشر لها غيره من الرحالة وهو طواف النساء ليلا وهن حاملات الشموع بأيديهن وسافرات عن وجوههن فعبر عن استنكاره للأمر بأنه من البدع غير المقبولة (٢).
ومما شاع أيضا لدى أهل مكة المكرمة قولهم إن مولد الحسن والحسين رضياللهعنهما بمكة المكرمة. وقد ذكره ابن جبير على أنه حقيقي (٣) ونفاه التجيبي (٤).
ومن الشائعات زمن زيارة التجيبي لمكة وجود شجرة فوق جبل أبي قبيس يقصدها الناس على أنها الشجرة التي تمت بيعة الرسول صلىاللهعليهوسلم تحتها فنفى التجيبي هذا الزعم قائلا : " إنها خفيت على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم مع معاينتهم لها وقرب العهد بها فكيف يعلمها هؤلاء" (٥). فضلا عن أن هذه الشجرة بالحديبية وليست بمكة وقد أمر بقطعها عمر بن الخطاب رضى الله عنه خوفا من افتتان الناس بها (٦).
ومن جملة ما شاع لديهم أيضا وجود أكوام كبيرة من الحجارة على قبرين عرفا بأنهما قبرا أبي لهب وامرأته وقيل بل قبر أبي رغال (٧) وهذا رأى
__________________
(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٣١ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ٢ ، ص ٦٠.
(٢) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٢٦٥.
(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٤١ ـ ١٤٢. انظر ما سبق ، ص ٩٦ وفيما بعد ، ص ٤١٢.
(٤) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٣٣.
(٥) المصدر السابق والصفحة.
(٦) الأزرقي : أخبار مكة ، ج ١ ، ص ١٤٢ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٥١.
(٧) أبو رغال هو دليل الحبشة عند غزوهم للكعبة أهلكه الله فيمن هلك منهم ودفن بين مكة والطائف فمر النبي صلىاللهعليهوسلم يقبره فأمر برجمه فصار ذلك سنة. انظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٥٣.