وفي ليلة الثالث والعشرين يقوم صبي آخر من أبناء المكيين من ذوي الثراء بختم القرآن وهو غلام لم يتجاوز الخمس عشرة سنة ويقيم أبوه في هذه الليلة احتفالا بديعا ، حيث يعدّ له ثريا مصنوعة من الشمع مغصنة قد انتظمت فيها أنواع الفواكه الرطبة واليابسة وأعد لها شمعا كثيرا ويضع شبه محراب مربع مما يلي باب شيبة. وهذا المحراب مصنوع من أعواد مشرجبة (١). قد أقيم على قوائم أربع ربطت في أعلاه عيدان أنزلت منها قناديل وأسرجت في أعلاها مصابيح ومشاعيل وثبت حول المحراب كله مسامير حديد يوضع فيها الشمع باستدارة المحراب كله وتوقد الثريا المغصنة بالفواكه ويوضع على مقربة من المحراب منبر مغطى بقماش مختلف الألوان فإذا انتهى الصبي من صلاة التراويح وقف عليه ويجتمع الناس لرؤيته وهو في محرابه لا يكاد يرى من كثرة أنوار الشموع المحدقة به ثم يخرج من محرابه مرتديا أفخر ملابسه مكحول العينين مخضوب الكفين والذراعين ولكثرة ازدحام الناس يقوم أحد السدنة بحمله ووضعه على منبره فإذا استقرّ في مكانه بدأ بالسلام على من حضر. وجلس القراء بين يديه مبتدئين القراءة بصوت واحد وعقب نهاية عشرة أجزاء من القرآن يقوم الخطيب بإلقاء خطب الوعظ والتذكير في حين يقف بين يديه في درجات المنبر أشخاص ممسكون بأتوار (٢) الشموع في أيديهم رافعين أصواتهم ب يا رب يا رب عند كل فصل من فصول الخطبة ويكررون ذلك ويعود القراء مرة أخرى للقراءة وفي أثناء ذلك يلزم الخطيب الصمت حتى يفرغوا ويعود بعدها لإتمام خطبته.
وعند ذكره للبيت العتيق يرفع ذراعيه مشيرا إليه وعند ذكر زمزم والمقام يشير إليهما بكلتا إصبعيه ثم يختتم بتوديع الشهر المبارك وترديد السلام عليه ثم الدعاء للخليفة ولكل من جرت العادة بالدعاء له من الأمراء. وينتهي ذلك الحفل ويقيم والد الصبي حفلا يدعى إليه القاضي وغيره من الناس.
__________________
(١) الشرجب هو الطويل. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٩٣.
(٢) إناء من الصفر. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٩٦.