إن ظاهرة تعدد الأئمة بالحرم المكي الشريف من المستحدثات التي لا يعرف على وجه التقريب متى بدأت (١). ولعل تعددهم بدأ منذ النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. ومما يؤيد هذا الافتراض أنه إلى سنة ٣٢٨ ه / ٩٣٩ م لم يكن لهم ذكر. فابن عبدربه قدم مكة المكرمة في حدود هذا التاريخ ووصف المسجد الحرام ولم يشر إلي وجودهم مما يعني أنه لم تتعدد الأئمة بعد بالحرم الشريف (٢).
إن أول خبر ورد عن بداية وجودهم بالحرم المكي ما ذكره صاحب غاية الأماني من أن بداية وجودهم كانت زمن المأمون (٣) وأورد خبرا آخر يفيد أن أول من أحدث المقامات حول الكعبة المشرفة المتوكل (٤) وكلا الخبرين مشكوك في صحته ، خاصة وأنه بدأه بعبارة" ولعله" وختمه بقوله" والله أعلم".
وربما ترجع بداية وجودهم مع بداية دولة الموسوين الأشراف (٥). فيكون بذلك الإمام الزيدى أول الأئمة ظهورا بعد الإمام السني خاصة وأن الحجاز قد خضع لتدخلات الصليحيين حكام اليمن ردحا من الزمن وتدخلات وحماية الفاطميين حكام مصر ردحا آخر وكلا الدولتين كانتا شيعيتي المذهب فنتج عنه انتشار المذهب الزيدي بالحجاز خاصة وأن الحجاز وقع تحت سلطة الفاطميين
__________________
(١) الفاسي : شفاء الغرام ، ج ١ ، ص ٣٩٥.
(٢) حسين باسلامة : تاريخ عمارة المسجد الحرام ، ص ٢٢٤.
(٣) أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور كان إماما عالما محدثا لغويا أديبا ، مدة خلافته اثنتان وعشرون سنة وقيل عشرون سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام ومات سنة ٢١٨ ه / ٧٣٣ م في رجب ودفن بطرسوس. انظر ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ١ ، ص ١٣١ ـ ١٣٦.
(٤) يحيى بن على : غاية الأماني ، ج ١ ، ص ١٥٦ ؛ أبو الفضل جعفر بن المعتصم بن الرشيد بويع بعد أخيه الواثق يوم الأربعاء خامس عشر ذي الحجة سنة ٢٣٢ ه / ٨٤٦ م ومات ليلة الأربعاء رابع شوال سنة ٢٤٧ ه / ٨٦١ م وعمره أربعون سنة وخلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام. انظر ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ١ ، ص ١٤٢ ـ ١٤٥.
(٥) ابن خلدون : العبر ، ج ٤ ، ص ٩٩.