اتصل بخدم المسجد النبوي الشريف وأصبح مؤذنا به وأمينا على مخازنه اشتهر بالعفة والمعرفة واكتسب مالا كثيرا برّ به أقاربه.
ومما يروى عنه أنه في بداية حياته قد جب (١) نفسه ثم ندم على ذلك فلما توفي خلّف أموالا طائلة وأوقف كتبه وأعتق مماليكه قبل وفاته سنة ٧٥٤ ه / ١٣٥٣ م. وعمره إحدى وثمانون سنه (٢).
لقيه ابن بطوطة وأورد له ترجمة مفصّلة حيث أثنى عليه ونعته بالشيخ المجاور المعروف بالتراس وكان قد جّب نفسه خوفا من الفتنة حيث كان يعمل عند شيخ يدعى عبد الحميد العجمي الذي أحسن الظن به وأوكل إليه القيام بشؤون أهله وماله خلال فترة سفره. وسبب قيامه بذلك هو محاولة إقدام زوجة الشيخ العجمي وقت غياب زوجها على استدراجه للفاحشة فخاف على نفسه فأقدم على جبّ نفسه وقد أصبح فيما بعد أحد القائمين على خدمة المسجد النبوي الشريف ومؤذنا به ... (٣) ونلحظ على غير عادة ابن بطوطة إسهابه في الحديث عن هذا الشيخ والتركيز في ترجمته على هذه الحادثة الغريبة ويعود ذلك إلى تعلّق ابن بطوطة بكل ما هو غريب وخارج عن المألوف.
محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون :
محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون الشمس أبو عبد الله الجياني التونسي المولد والمنشأ ، المدني المالكي. يعرف بابن فرحون أنجب أبناء علماء منهم البدر عبد الله المؤرخ (٤).
عكف على طلب العلم وتلقاه على شيوخ بلده ، وبرع في الفقه وأصوله والعربية ملما بعلوم عديدة. سمع الحديث وعرف بحسن الخط والضبط.
__________________
(١) المجبوب هو الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه والجب القطع. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٢٤٩.
(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٤ ، ص ٣٣٦.
(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢١ ـ ١٢٢.
(٤) انظر ترجمته فيما بعد ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩.