٣ ـ الرحلة للحج :
قال تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(١). فالدعوة لحج بيت الله الحرام قديمة منذ أيام خليل الرحمن عليهالسلام. فهو معروف في الجاهلية ومشهور. وكان مما يرغبهم إلى ذلك الأسواق التى تقام فيه ، فلما جاء الإسلام ألزمهم به مرة في العمر للقادر على ذلك ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٢).
وأصبح الحج أحد قواعد الإسلام مقرونا بالاستطاعة. وأجيب نداء الله تعالى للمرة الثانية ؛ ولكن المسلمين كرهوا التجارة وإقامة الأسواق في موسم الحج كما ، هي حالهم في السابق على اعتبار أن أيام الحج أيام ذكر وعبادة (٣).
فأنزل الله تعالى آية قرنت الحج بالتجارة ومحت إحساسهم بالتحرج من ذلك.
فجمعوا رضى الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة. قال تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)(٤).
٤ ـ الرحلة للتجارة :
لقد مهر العرب في التجارة ، وإن كان ذلك داخل نطاق محدود في الجاهلية.
فهم يرحلون رحلتين في الصيف والشتاء إلى الشام واليمن ، ولكن بعد إسلامهم اتسع نطاق تجارتهم تبعا لاتساع دولتهم ؛ بل لقد تعداه إلى أماكن لم يصلها غيرهم ولم يكتفوا بالرحلة برا ؛ بل ركبوا البحر أيضا خاصة بعد أن وجه الله تعالى أنظارهم لذلك (٥) ، قال تعالى : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(٦). لم يكن القرآن الكريم وحده الحاث على
__________________
(١) القرآن الكريم : سورة الحج ، ٢٢ / ٢٧.
(٢) القرآن الكريم : سورة آل عمران ، ٣ / ٩٧.
(٣) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ، ج ٢ ، ص ٤١٤ ـ ٤١٥.
(٤) القرآن الكريم : سورة البقرة ، ٢ / ١٩٨.
(٥) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ، ج ١٠ ، ص ٢٩١.
(٦) القرآن الكريم : سورة الإسراء ، ١٧ / ٦٦.