جابر بن عبد الله لعبد الله بن أنيس ، ورحلة أبي أيوب لعقبة بن عامر (١).
ويمكننا أن نعزو كثرة الرحلات العلمية في ذلك الوقت إلى عدم تدوين الحديث الذي لم يتم تدوينه بصورة رسمية في مصنفاته إلا في النصف الأول من القرن الثاني الهجري (٢).
وقد رحل التابعيون أيضا لطلب الحديث الواحد ؛ بل وحتى لضبط حرف منه (٣).
ومن فوائد رحلات طلاب الحديث وتنقلاتهم بين الأقطار الإسلامية الاطلاع على الروايات المتعددة أحيانا للحديث الواحد. ومن هذا ما حدث عند ما قدم البخاري للبصرة فطلبوا منه أن يعقد لهم مجلسا للإملاء فأجابهم وحدد لهم موعد المجلس الذي حضره جمع غفير من الفقهاء والمحدثين والحفاظ والنظار. حدثهم فيه بأحاديث ليست عندهم بالأسانيد التي ذكرها (٤).
ومن فوائد الرحلات ما يقام من مناظرات. والامتحانات التي تعقد لاختبار كفاءة وعلم العلماء. ومنها على سبيل المثال ما حدث للإمام البخاري في بغداد حيث اجتمع العلماء لامتحان علمه وحفظه ، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لآخر ودفعوها لعشرة أشخاص لإلقائها على البخاري. وبعد إلقاء كل شخص بما عهد إليه من أحاديث ، وهو لا يزيد على قوله بعد سماع كل حديث لا أعرفه. وكان العلماء الذين حضروا المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ وبعد انتهاء إلقاء الأحاديث المائة ، أعاد البخاري تصحيحها. فأقر له الناس
__________________
(١) ابن عبد البر : جامع بيان العلم ، ج ١ ، ص ١١١ ـ ١١٢ ؛ محمد عجاج الخطيب : السنة قبل التدوين ، ص ١٧٧.
(٢) محمد عجاج الخطيب : السنة قبل التدوين ، ص ٣٣٧.
(٣) ابن عبد البر : جامع بيان العلم ، ج ١ ، ص ١١٣.
(٤) البغدادي : تاريخ بغداد ، ج ٢ ، ص ١٥ ـ ١٦ ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج ١٢ ، ص ٤٠٩ ، ٤١٠ ؛ ابن حجر : هدية الساري ، ص ٤٨٧ ، المقدمة.