بالحفظ ، وأذعنوا له بالفضل ، خاصة وأنه صححها على الترتيب الذي سمعه (١).
وأدى انتشار العلماء إلى تعدد المراكز العلمية ، والتي أسهمت بدورها في النشاط العلمي على أيدي العلماء الموجودين بها أو العلماء المتنقلين بينها الحريصين على الاستزادة ونشر العلم بين الناس. ومثال ذلك تنقلات البخاري بين الأمصار الإسلامية فكانت أولى رحلاته سنة ٢١٠ ه / ٨٢٥ م لطلب الحديث والحج (٢). وقال البخاري عن نفسه معبرا عن رحلاته الكثيرة قائلا : " دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين ، وإلى البصرة أربع مرات ، وأقمت بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع المحدثين" (٣).
٩ ـ رحلات التجار :
لم تكن رحلات المسلمين مقتصرة على الناحية العلمية التي حظيت بالنصيب الوافر ؛ بل كان للتجارة دور كبير ، وخاصة أن أساطيل المسلمين التجارية أخذت تجوب جميع البحار ، فليست رحلاتها قاصرة على المناطق الإسلامية ؛ بل وصلت إلى مناطق شاسعة في الهند والصين والبلدان الأوربية وغدا المسلمون بفضل نشاطهم البحري ذوي شهرة كبيرة وأصحاب ثروات هائلة (٤).
وقد أسهمت رحلات التجار إلى تلك المناطق النائية في معرفة الكثير من أحوالها. ومن أشهر التجار في هذا المجال سليمان السيرافي ، وابن وهب القرشي. وقد أفاض المسعودي في سرد رحلة ابن وهب القرشي التي نقلها عن أبي زيد الحسن السيرافي (٥).
__________________
(١) البغدادي : تاريخ بغداد ، ج ٢ ، ص ٢٠ ـ ٢١ ؛ الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ١٢ ، ص ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
(٢) ابن حجر : هداية الساري ، ص ٤٨٦ ، المقدمة.
(٣) المصدر السابق ، ص ٤٧٨ ، المقدمة.
(٤) محمد محمود الصياد : رحلة ابن بطوطة ، ص ٧ ـ ٨.
(٥) المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٤٤.