ومع الأسف لم يكن شائعا في ذلك الوقت تدوين تلك المعلومات في كتب معروفة ؛ بل عرفت عن طريق أصدقاء الرحالة من معاصريه ، أو من خلال الأجيال التي تناقلتها بعد ذلك. وقد شكلت تلك المعلومات مادة علمية غزيرة استطاع المؤرخون الأوائل الاستفادة منها في كتاباتهم عن تلك البلدان سواء في النواحي السياسية أو الحضارية. وللدلالة على ذلك ما أورده المسعودي من خبر رحلة أحد تجار سمرقند إلى الصين ، وما لحقه من ظلم في مدينة خانقوا (١) من جابي الضرائب فما كان منه إلا أن رفع مظلمته إلى ملك الصين فأنصفه (٢).
تبع تلك الخطوة من قبل التجار ، قيام نوع جديد من الرحلات. وهي الرحلات الجغرافية لوصف الطرق المؤدية إلى البلدان المفتوحة. ووصف أحوالها حيث اقتضت مصلحة الدولة ذلك (٣). فقدموا وصفا جغرافيا دقيقا لها.
ومن أمثلة هؤلاء ابن خرداذبه الذي تولى منصب صاحب البريد في الدولة العباسية (٤).
وقد اعتمد الجغرافيون في تصانيفهم على الوصف والمشاهدة والملاحظة.
فنمت معارفهم الجغرافية ، وأصبحت مؤلفاتهم ذات أهمية كبيرة ؛ مما حدا بالخلفاء تكليف عمال اقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير الجغرافية عن الأمصار المفتوحة (٥).
__________________
(١) (خانقوا) مدينة على نهر عظيم أكبر من دجلة يصب في بحر الصين. وتبعد هذه المدينة عن البحر مسيرة ستة أيام أو سبعة. ويدخل إلى هذا النهر سفن التجار الواردة من بلاد البصرة وسيراف وعمان ومدن الهند وجزائر الزابج والصنف وغيرها من الممالك ؛ بالأمتعة والجهاز. وبالمدينة خلائق من الناس مسلمون ونصارى ويهود ومجوس وغير ذلك من أهل الصين. انظر المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٣٨.
(٢) المصدر السابق والجزء ، ص ١٤٠ ـ ١٤٢.
(٣) عبد الرحمن حميدة : أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم ، ص ٤١.
(٤) كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ج ١ ، ص ١٥٦.
(٥) البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٨٦.