وسوداء وحمراء ، وبخارجها بحرة كبيرة ، وبها أسماك كثيرة ، وقد جست خلال هذه المدينة ، وجزت في أماكنها المكينة ، ورأيت العجب من محاسنها الجمّة المستبينة ، فدخلت بها جنّة حفّت من طرقها بالمكاره ، وعقيلة عقلت قلب الطائع والكاره ، ثم نزلنا بظاهرها على نحو نصف ميل ، بمرج أريج وظل ظليل ، قد نسجت به يد السحب بسطا عجيبة التلوين ، غريبة التكوين ، [٥٤ ب] نقوشها تفوق الحبر ، ويكاد يضاهي الزّهر ما فيها من الزهر ، فياله من بلد ومنزل عزيز ، بديع التفويف والتطريف والتطريز :[من الكامل]
كلّ المنازل والبلاد عزيزة |
|
عندي ولا كمنازلي وبلادي (١) |
فأقمنا هناك إلى وقت الظهيرة ، حين قبض النهار ظلّه وبسط حروره (وهجر برده وواصل هجيره) (٢) ، ثم قطعنا مرحلة قصيرة بين أشجار كثيرة ومياه غزيرة ، وبتنا بساحة واد حللنا به ، بين ظفر التوحّش ونابه ، لا تعرف جنوبنا من المضاجع قرارا ، ولا تطعم عيوننا النوم (٣) إلّا غرارا ، إلى أن قضي الليل نحبه ، وغوّر الصبح شهبه ، ففوقنا سهام العزم ، وأطرنا عن زنده شرار الحزم ، وسرنا في دروب ضيقة المناهج ، ودربندات وعرة المدارج ، ومفاوز ومهالك ومسالك يضل فيها السالك : [من السريع]
ومهامة كالبحر لا أثر |
|
للمقتفي فيها ولا سنن (٤) |
لو سار فيها النّجم ضلّ بها |
|
حيران لا شام ولا يمن (٥) [٥٥ أ] |
__________________
(١) هذا البيت في تاج المفرق ٢ : ١٥٤ بلا عزو.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٣) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٤) وردت هذه الكلمة في (ع): «شين».
(٥) البيتان في تاج المفرق ١ : ٢٧٨ بلا عزو.