سهامه (١) إلينا ، وقلنا الحمد لله اللهم حوالينا ولا علينا ، وهذان النذلان يعدانا بمواعيدهما المعروفة ، ويجريان من الكذب على عوائدهما المألوفة ، ويعاهدان ثم يخلفان ، ويكذبان [١٣٠ أ] فيما عليه يحلفان ، فلم تزل تلك دعواهم ، أضعف الله قواهم ، وضاعف بلواهم وأبعدهم وأخزاهم (وعاملهم بعدله وجزاهم) (٢) ، فما أجرأهم على النفاق وأجراهم ، فبينا أنا أقاسي من ذلك حزنا وحربا ، وأتنفس الصّعداء غموما وكربا ، وألاقي من تلك الأهوال وصبا ونصبا ، وأكاد أتميز غيظا وغضبا (وقد بلغ السيل في الحالين الزبا) (٣) ، وضاق الخناق ، واشتد الوثاق ، وتزايد الإغراق والإحراق ، وبلغ إلى حدّ لا يستطاع وصفه ولا يطاق ، فما راعني إلّا البشرى بوصول خيلنا ، وسوقها من فضل الله سوقا لنا ، فاستخرت الله تعالى في السفر في البحر وصمّمت ، وعزمت عليه وعزّمت وجزمت ، وكان قد تنجّز أمر ماميه حقيقة في تلك الساعة ، وعزم على الركوب في سفينته السيّد ومن معه من الجماعة ، وعرض علينا ماميه الركوب فيها عرض الكرماء فأنشدته : [من البسيط]
ما أنت نوح فتنجيني سفينته |
|
ولا المسيح أنا أمشي على الماء (٤) |
وممّا جرى على اللسان فيه وفي أبيه ما أنشدته على البديه ، وهو قولي [١٣٠ ب] : [من الرّجز]
إنّ يقل المريض ثلث مالي |
|
لا نذل النساء والرجال |
نصرفه في الحال إلى ماميه |
|
لكن أبوه يدعي عليه |
__________________
(١) وردت في (ع): «سمومه».
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ع).
(٤) ورد هذا البيت في رحلة الشتاء والصيف لكبريت ١٣٢ ، وفيه أنّ الشاعر الحصري كتب هذا البيت للمعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وكان قد بعث إليه بخمسمائة دينار يتجهز بها إليه.