الرحلة إلّا له ، إلى أن فجر (١) الفراق ، وما رق وما راق ، وتهيأ نفرنا ، وتأتّى سفرنا ، وأزفت النوى ، وأثارت الجوى ، فأخذت في الوداع ، وشاع خبر الجواز وذاع ، ولما استقلت نحائب الرفاق ، وتهادينا تحف الأشواق ، وتشاكينا روعة الفراق. وشددنا الأقتاب والأقتاد (٢) ، وأعددنا الأهبّة والزاد ، فبالغ في الإنعام واعتذر ، وزود حتّى (٣) لم يذر ، ثم خرج لوداعي إلى ظاهر البلدة ، ومعه من أعيان [١٧٣ ب] أهل محلّته عدّة (٤) ، وكذلك الشيخ الإمام البحر الهمام الحسيب النسيب ، الآخذ من صدق المحبّة (٥) وصفاء المودّة بأوفر نصيب. ذو الإخلاص والصفاء ، والصدق والوفاء ، مولانا السيّد أبو البركات وفا ، هو وبعض أخوته ، وغالب أهل محلّته ، وذلك كما (٦) مضى يوم الاثنين ، ثم سرت أذري دمع العين ، وآسي لشمل لا ينفك من روعة البين ، وآسف لعهد كنت إليه استنمت ، ولعيني في ظله أنمت ، فيا لله كم سربلتني النوى سقما ، وأصارت في عقلي لمما (٧) ، وألبست جسمي مرضا ، وسربلت قلبي من عناء ، ثم جددت الوداع لذينك المحبين. وتجرّعت من فراقهما ما ليس بالهيّن ، وأنشدت موجع الجنان مغروق الأجفان : [من الكامل]
ما أنصفتني النائبات رمينني |
|
بمودّعين وليس لي قلبان |
ثم حلفت عليهما وعلى من معهما بالرجوع ، واندفعت أنشد في تلك (الربوع ، وقد بلّ الثرى وبل تلك الدموع) (٨) : [من الكامل]
__________________
(١) وردت في الأصل : «فجي».
(٢) القتب : رحل صغير ، والقتد خشب الرحل.
(٣) وردت في (ع): «حين».
(٤) هذه الكلمة ساقطة من (ع).
(٥) وردت في (ع): «الهمّة».
(٦) هذه الكلمة ساقطة من (ع).
(٧) وردت في (ع): «لهما».
(٨) ما بين القوسين ساقط من (ع).