الصباح ، وحكى بعض ظرفاء المؤرخين في وقائع الحمقى والمغفلين : أن رجلا رأى بحمص يهوديا عطّارا في دكان يؤذن بها على باب الجامع في أوقات الأذان ، يقول : أهل حمص يشهدون أن لا إله إلا الله ، أهل حمص يشهدون أن محمدا رسول الله ، ورأى الإمام يصلّي ورجله خارجة من المحراب ، فسأل من رجل عن دار القاضي ليشتكي له ذلك المصاب ، فطأطأ برأسه وكشف عن فلسه ، فدخل إلى القاضي يشتكي ما دهاه ، فوجد عنده صبيا قد علاه ، فخرج [١٤ ب] وهو يستغيث ، فقال له : ارجع يا خبيث ، ما بالك؟ وما حالك؟ فحكى له القصة ، فقال : أنا أزيح عنك الغصّة ، أمّا اليهوديّ فهو يؤدي للمسجد أجرة الدكان ، ويؤذن دون المسلمين متبرّعا بالأذان ، وأمّا الإمام فلعل أصاب رجله بعض نجاسة الكلاب ، فما رأى أن يدخلها معه في المحراب ، وأما الذي سألته عن الدار فقد أجابك بما به أشار ، وذلك أن بابي مقنطر معلا ، وعليه قنديل مدلى ، وأما الصبي الذي كان فوق ظهره ، فهو تحت نظره وحجره ، وفي تربيته وحجره ، وأحبّ أن يعلم إن كان بلغ مبالغ الرجال يسلّمه ما له تحت يده من المال.
ومن أغرب الحكايات واقعة عبد السلام الحمصيّ الملقب بديك الجنّ (١) الشاعر ، وهي واقعة غريبة لم يسمع بمثلها في الدهور الغوائر ، وذلك أنه كان يحب جارية له وغلاما ، وقد افتتن بهما عشقا وهياما ، فمن شدّة ما حصل له من قوة المحبة لهما (٢) والوله ، خشي أن يفجعه فيهما الدهر ويمتّع بهما غيره ، فقتلهما وجدا عليهما وغيرة ، ثم صنع من [١٥ أ] رماديهما برنيتين (٣) للمشروب وكان ينادمهما منادمة المحب المحبوب ، وإذا اشتاق إلى الجارية قبّل البرنية المجبولة من رمادها المرصد ، وملأ منها قدحه وبكى وأنشد : [من الكامل]
__________________
(١) عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبيّ (ت ٢٣٥ ه) من شعراء الدولة العباسيّة ، ترجمته في : الأغاني ١٤ : ٣٣ ـ ٤٥ ، وفيات الأعيان ٣ : ١٨٤ ـ ١٨٨ ، وللبدوي الملثم : كتاب ديك الجن الحمصيّ.
(٢) وردت في الأصل : «فيهما» والتصحيح من (م) و (ع).
(٣) البرنية : قارورة أو إناء من خزف. (لسان العرب ١٣ : ٥٠).