فعدول المرء عنها |
|
أبدا عين (١) الصواب |
ورأينا بهذه العقبة أشجار صنوبر كالسواري ، يتّخذ منها أعظم ما يكون من الصواري ، والبعض منها ساقط منعجر كأعجاز نخل منقعر كما ضرب به النبي الصادق مثل هلاك المنافق. وفي وداتها ماء يجري من الثلج ، يتكسر ويفج من كل فج ، وبها مكان بين جبلين منتصبين كالجدارين لا يدرك الطرف أعلاهما ولو احتد ، ولا يرقى مبلغ الطير أدناهما ولو اجتهد وجدّ ، يجري بينهما ماء كثير عذب زلال ثجاج نمير وبه نسيم [٤٤ ب] يداوي السقيم ، ونبت أريج من كل زوج بهيج ، فياله من منظر ما أبهاه وأحسنه وأفرجه وأزهاه ، يرتقى منه إلى سفح أحدهما في عقبة كؤود ، ذات صخرات سود ، ومسالك لا تتسلّق فيها القرود ، ولا يمر بها الفئران إلّا وهي في صورة الحيران في غاية الخوف والرجفان. أصعب الطرق والمذاهب ، وأحزن السبل على ماش وراكب ، فلم نزل نخبط في سهل هذا الجبل ووعره ، ونخلط (٢) سيرا ترابه بصخرة ، ونشقّ أعطافه شقا ، وندق جنادله بالحوافر دقا ، مكتنفين الفزع ملتحفين (٣) الجزع ، إلى أن جزمتنا عوامله بالحذف ، ومنعتنا علاته من الصرف ، وأسفر لنا وجهه العبوس ، ومحياه الذي في مشاهدته البؤس ، عن مكان واسع ، به بعض ماء نابع (٤) وربيع مريع (٥) رائع ، وهناك للوزير بير باشا خان وعمارة وجامع ، لكنها الآن خراب مأوى للبوم والحشرات والذئاب ، فاسترحنا به ساعة دون أن نحلّ عن الدواب ، ثم سرنا إلى [٤٥ أ] منزل به ربيع ، وماء عيون جريها ليس بالسريع ، فقيّلنا به ثم سرنا في ربوات ووهدات وأنهار ، حتى انهار جميع بناء ذلك النهار ، فحين حان الغروب ، وآن
__________________
(١) وردت في (ع): «غير».
(٢) وردت في (ع): «ويخلط».
(٣) وردت في (ع): «متلحفين».
(٤) وردت في (ع): «مانع».
(٥) وردت في (ع): «مربع». والمريع : الخصيب.