أنعم على أبي جعفر فشكا له العمال ببلده ، فأقام (١) ببابه أشهرا ، ثم دخل عليه فقال : ما أقدمك؟ فقال : ظهر الجور ببلدنا ، فجئت لأعلمك ، قال : الجور يخرج من دارك ، فغضب أبو جعفر وهمّ به ، ثم أمر بإخراجه.
قال (٢) : وأخبرني الأزهري ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن محمّد بن عرفة ، أخبرني أبو العبّاس المنصوري ، أنا محمّد بن يوسف ، أنا محمّد بن يزيد ، عن ابن إدريس ، عن عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قال : أرسل إلي أبو جعفر المنصور ، وقدمت عليه ، فدخلت والربيع قائم على رأسه ، فاستدناني ثم قال لي : يا عبد الرّحمن ، كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ قال : قلت : رأيت يا أمير المؤمنين أعمالا سيئة ، وظلما فاشيا ، وظننته لبعد البلاد منك ، فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم (٣) الأمر.
قال : فنكس رأسه طويلا ثم رفعه إلي قال : فكيف لي بالرجال؟ قلت : أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول : إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها ، فإن كان برا أتوه ببرهم ، وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم ، قال : فأطرق طويلا ، فقال لي الربيع : وأومأ إليّ أن اخرج ، فخرجت وما عدت إليه.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنا أبو عثمان البحيري (٤) ، أنا الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ ـ إملاء ـ نا جعفر بن محمّد الترك ، حدّثني محمّد بن سعد ـ يعني الجلّاب ـ في دهليزي وكتبه لي أبو عمرو المستملي بخطه ، نا الجارود بن يزيد ، أنا عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، قال :
كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة ، فأدخلني منزله ، فقدّم إليّ طعاما ومريقة من حبوب ليس فيها لحم ، ثم قدّم إليّ زبيبا ، ثم قال : يا جارية عندك حلواء؟ قالت : لا ، قال : ولا التمر؟ قالت : ولا التمر ، فاستلقى ثم قرأ هذه الآية (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ، وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(٥) فلما ولي الخلافة دخلت عليه فقال لي : يا عبد الرّحمن بلغني أنك كنت تفد لبني أمية؟ قال : قلت : أجل ، كنت أفد لهم وأفد
__________________
(١) الأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : فقام.
(٢) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٠ / ٢١٥.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : كان الأمر أعظم.
(٤) في المطبوعة : أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري.
(٥) سورة الأعراف الآية ١٢٨.