يومئذ بالطائف : إنّي قد وليتك المدينة ، فأغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وعذّبه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي ، وبلغ ابن الضحاك الخبر ، فهرب إلى الشام ، فلجأ إلى مسلمة بن عبد الملك فاستوهبه من يزيد ، فلم يفعل وقال : قد صنع ما صنع وأدعه؟ فرده إلى النصري (١) ، إلى المدينة فأغرمه أربعين ألف دينار ، وعذّبه وطاف به في جبة من صوف.
أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار ، حدّثني عمامة بن عمرو السهمي ، عن رجل من خزاعة عن مولى لمحمّد بن ذكوان مولى مروان فارسي.
أنه لما جاء عبد الرّحمن بن الضحاك بن قيس عزله وعمل النصري (٢) ـ فكان بالعرصة (٣) ـ أرسل إلى محمّد بن ذكوان وكان على أمور بني أمية بالمدينة ، فجاءه قال : فقال لي محمّد بن ذكوان : أمسك دابتي ، وصعد إليه. فقال له : يا محمّد بن ذكوان ، قد علمت رأيي فيك (٤) ، وقضائي حوائجك ، وقد جاء من عمل هذا الغلام النصري (٥) ما رأيت ، ولا ينبغي لمثلي أن يقيم له في شيء ، وموضعي يتعنّت بي فأشر علي ، قال : أنا أذن القوم السامعة ، وعينهم الناظرة ، ولا يستقيم لي أشير عليك بشيء لعله يقع بخلافهم ، فقال : يا محمّد بن ذكوان أشر عليّ ، فأبى ، وأبعط (٦) عليه ، فقال عبد الرّحمن بن الضّحّاك :
رميت بالهمّ غيري إذ رميت به |
|
ولم أقم غرضا للهمّ يرميني |
شدّوا على إبلكم ، واستبطنوا الوادي ، وأمّوا بها الطريق ، فإني مسلّم على النبي صلىاللهعليهوسلم ولا حقكم ، ففعل. فردّ من الطريق ، ووقف الناس ، وكذلك كانت بنو أمية تفعل بالعامل إذا عزلته. فكان يمرّ به القرشيون ، فيعدلون إليه ويبيتون (٧) عليه ، ويجلسون تحته حتى صاروا حلقة ضخمة ، وسقط خفّ رجليه من الشمس ، حتى حمل حملا.
قال : وحدّثني الزبير ، حدّثني عمامة بن عمرو قال :.
وكان عبد الرّحمن بن الضّحّاك برّا بقريش (٨) ، وكان يقول أبغوني رجلا من قريش عليه
__________________
(١) الأصل وم : البصري.
(٢) الأصل وم : البصري.
(٣) إعجامها مضطرب بالأصل ، والمثبت عن م ، والعرصة : هما عرصتان بعقيق المدينة ، راجع معجم البلدان).
(٤) عن م وبالأصل : قبل.
(٥) الأصل وم : البصري.
(٦) بالأصل : وأنعط ، والمثبت عن م ، يقال : أبعط الرجل في كلامه إذا لم يرسله على وجهه.
(٧) كذا رسمها بالأصل وم ، وفي المختصر : «ويثنون عليه» وهو أشبه.
(٨) الأصل وم : يرى لقريش.