بخير عجّلته لكم ، أو بشرّ أخّرته عنكم ، ولا يكون بيني وبينكم حجاب.
فمكث عندهم كذلك ، فلما عزل صعد المنبر ، فبكى وبكى الناس لبكائه ، قال : والله ما أبكي جزعا من العزل وضنا بالولاية ، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يتبدلها بعدي من لا يرى لها من الحق ما كنت أراه ، وإنّي وإياكم يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار لكما قال أخو كنانة :
فما القيد أبكاني ولا الشجن شفني |
|
ولكنني من خشية النار أجزع |
بلى إنّ أقواما أخاف عليهم |
|
إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع |
كذا في هذه الرواية ، وإنما هو عبد الرّحمن بن الضّحّاك ، وقد ذكر الواقدي عنه بعض هذه القصة والبيتين إلّا أنه قال :.
فما السجن أضناني ولا القيد شقني.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأ أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد (١).
أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن محمّد بن أبي يحيى قال :
استعمل يزيد بن عبد الملك عبد الرّحمن بن الضّحّاك بن قيس الفهري على المدينة فخطب فاطمة بنت حسين ـ يعني بن علي ، فقالت : والله ما أريد النكاح ، ولقد قعدت على بني هؤلاء ، وجعلت تحاجره وتكره أن تباديه لما يخاف منه ، قال : وألحّ عليها فقال : والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر ولدك في الخمر ، يعني عبد الله بن حسن ، قال : فبينا هي كذلك وكان على ديوان المدينة ابن هرمز ، فكتب إليه يزيد بن عبد الملك أن يرتفع إليه للمحاسبة ، فدخل على فاطمة يودعها وقال : هل من حاجة؟ فقالت : تخبر أمير المؤمنين ما ألقى من ابن الضحاك ، وما يتعرض (٢) مني.
قال : وبعثت رسولا بكتاب إلى يزيد تذكر قرابتها ورحمها ، وما ينال ابن الضحاك منها وما يتوعدها به ، فقدم ابن هرمز فأخبر يزيد وقرأ كتابها ، فنزل من أعلى فراشه فجعل يضرب بخيزرانة في يده وهو يقول : لقد اجترأ ابن الضحاك؟ من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ قال : ثم دعا بقرطاس ، فكتب إلى عبد الواحد بن عبد الله النصري (٣) وهو
__________________
(١) الخبر في طبقات ابن سعد ٨ / ٤٧٤ ضمن أخبار فاطمة بنت الحسين (رض) وتاريخ الطبري ٧ / ١٢.
(٢) الأصل وم ، وفي ابن سعد : يعترض به مني.
(٣) بالأصل وم : البصري ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، وقد مرّ التعريف به قريبا. وفي الطبري : النضري.