قال : هاتوا ميزانا ، فجاءوا بميزان حرّاني عليه حلية ذهب ، وأخرج من الصندوق دنانير عينا فوزن لي منها أربع مائة دينار ، فوزنتها بالميزان وقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر ، فقال : أضفها إلى ما اجتمع للوقف (١) عندك وفرّقه في غد في سبيله ، ولا تؤخر ذلك ، ففعلت ، فكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك ، وشكرهم المعتضد في إنصافه.
أنبأنا أبو البركات عبد الوهّاب بن المبارك ، وحدّثنا أبو البركات الخضر بن أبي طاهر ، أنا أبو عبد الله محمّد بن موسى بن عبد الله التركي القاضي ، قالا : أنبأ قاضي القضاة أبو (٢) عبد الله محمّد بن علي بن محمّد الدامغاني ، قال : سمعت القاضي أبا عبد الله الصيمري ، قال :
حكي أن عبيد الله (٣) بن سليمان الوزير ، وجه بأبي إسحاق الزّجّاج إلى أبي خازم القاضي ، وأبي عمر محمّد بن يوسف يسألهما في رجل محبوس بدين ثابت عندهما فبدأ أبو (٤) إسحاق بأبي خازم ، فجاء إليه ، وقد علا النهار ، ودخل داره فقال أبو إسحاق للبواب : استأذن لإبراهيم الزّجّاج ، فقال : إن القاضي الآن دخل الدار وليس العادة بعد أن يقوم من مجلسه ويدخل الدار أن يستأذن عليه حتى يصلّي العصر فقال له أبو إسحاق : تعلمه أن الزّجّاج بالباب ، فأبى عليه ذلك ، فقال : تعلمه أن رسول الوزير عبيد الله بن سليمان بالباب ، فقال : لو جاء الوزير الساعة لم يستأذن عليه ، فانصرف أبو إسحاق وقعد في المسجد مغتاظا مما جرى ، غير أنه لا يشتهي الانصراف إلى الوزير إلّا بعد قضاء الحاجة ، وقعد إلى وقت العصر ، فخرج البواب وكنس الباب ورشّ ، وقال للزجاج : القاضي قد جلس فإن كان لك رأي في الدخول إليه فقم ، فقام أبو إسحاق فدخل على أبي خازم ، فسلّم عليه ، وتعرّف كل واحد منهما خبر صاحبه ، غير أنه لم يكن منه من الإقبال ما كان أبو إسحاق يعتقد منه ، فأدى أبو إسحاق الرسالة ، فقال أبو خازم : تقرأ على الوزير أعزه الله السلام ، وتقول له : إنّ هذا الرجل محبوس لخصمه في دينه ، وليس بمحبوس لي ، فإن أراد الوزير إطلاقه فإما أن يسأل (٥) خصمه إطلاقه (٦) ، أو يقضي دينه ، فإن الوزير لا يعجزه ذلك. قال أبو إسحاق : جئت إلى هاهنا قبل
__________________
(١) تاريخ بغداد : من الوقف.
(٢) بالأصل : «أبي عبد الله» و «أبو عبد الله» ليس في م.
(٣) عن م وبالأصل : عبد الله.
(٤) عن م وبالأصل : أبي.
(٥) عن م وبالأصل : يسأله.
(٦) بالأصل : «أطلقه» واللفظة ليست في م ، والمثبت عن المطبوعة.