إنّ هذه الضيعة لا حاجة باليتيم إلى بيعها ، ولو كان ثمنها في ملك اليتيم لرأيت أن أشتري له مثلها إذا كانت هذه الضيعة مما يرغب هذا الدهقان في شرائها ، وإن رأى الوزير أن يجعلني أحد رجلين : إمّا رجل صين الحكم به ، أو صين الحكم عنه والسلام.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، قال : نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (١) ، نا التنوخي ، حدّثني أبي ، حدّثني أبو الفرج طاهر بن محمّد الصلحي (٢) ، حدّثني القاضي أبو طاهر محمّد بن أحمد بن عبد الله بن نصر قال : بلغني أن أبا خازم القاضي جلس في الشرقية وهو قاضيها للحكم ، فارتفع إليه خصمان ، فاجترأ (٣) أحدهما بحضرته إلى ما أوجب التأديب ، وأمر بتأديبه ، فأدّب فمات في الحال ، فكتب إلى المعتضد من المجلس : أعلم أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءه ـ أن خصمين حضراني ، فاجترأ (٤) أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي ، فأمرت بتأديبه ، فأدّب فمات ، وإذا كان المراد بتأديبه (٥) مصلحة المسلمين فمات في الأدب فالدية واجبة في بيت مال المسلمين ، فإن رأى أمير المؤمنين ـ أطال الله بقاءه ـ أن يأمر بحمل الدية إليّ (٦) لأحملها إلى ورثته فعل ، قال : فعاد الجواب إليه بأنا قد أمرنا بحمل الدية إليك ، وحمل عشرة آلاف درهم ، فأحضر ورثة المتوفّى ودفعها إليهم.
قال التنوخي : وثنا أبو عبد الله المرزباني ، نا إبراهيم بن محمّد بن شهاب ، عن أبي خازم القاضي بهذا الخبر.
قال الخطيب : وأخبرني علي بن أبي علي المعدّل ، حدّثني أبي ، حدّثني القاضي أبو بكر محمّد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن مروان ، حدّثني مكرم بن بكر ـ وكان من فضلاء الرجال وعلمائهم ـ قال : كنت في مجلس أبي خازم القاضي ، فتقدم رجل شيخ ، ومعه غلام حدث فادّعى الشيخ عليه ألف دينار عينا دينا ، فقال له : ما تقول؟ فأقرّ ، فقال الشيخ : ما تشاء؟ قال : حبسه ، وقال للغلام : قد سمعت؟ فهل لك أن تنقده البعض وتسأله إنظارك؟ فقال : لا ، فقال الشيخ :](٧) إن رأى القاضي أن يحبسه : قال : فتفرس أبو خازم فيهما ساعة ، ثم قال : تلازما إلي أن أنظر بينكما في مجلس آخر ، قال : فقلت لأبي خازم ـ وكان بيننا أنسة : لم أخّر القاضي حبسه؟ فقال لي : ويحك إنّي أعرف في أكثر الأحوال في وجه الخصوم وجه المحقّ من
__________________
(١) تاريخ بغداد ١١ / ٦٥.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : الصالحي.
(٣) عن تاريخ بغداد ، وبالأصل : «فاحرى» وفي م : فأخبرني.
(٤) عن تاريخ بغداد ، وبالأصل : «فاحرى» وفي م : فأخبرني.
(٥) في تاريخ بغداد : المراد به مصلحة.
(٦) زيادة عن تاريخ بغداد.
(٧) ما بين معكوفتين استدرك على هامش م وبعده كلمة صح.