المبطل ، وقد صارت لي بذلك دربة (١) لا تكاد تخطئ ، وقد وقع لي أن سماحة هذا بالإقرار هي عن بلية ، وأمر بعيد من الحق ، وليس في تلازمهما بطلان حق ، ولعله ينكشف لي مرادهما (٢) ما أكون معه على وثيقة مما أحكم به (٣) بينهما ، أما رأيت قلة تعاصيهما في المناظرة ، وقلة اختلافهما ، وسكون طباعهما مع عظم المال ، وما جرت عادة الأحداث بفرط التورّع حتى يقرّ مثل هذا طوعا عجلا بمثل هذا المال.
قال : فنحن كذلك نتحدّث إذ استؤذن على أبي خازم لبعض وجوه الكرخ من مياسير التجار ، فأذن له فدخل فسلّم وتثبت (٤) لكلامه ، فأحسن فقال : قد بليت بابن لي حدث يتقاين ويتلف كلما ظفر به من مالي في القيان عند فلان المغني ، فإذا منعته من مالي احتال بحيل تضطرني إلى التزام غرم له ، وإن عددت ذلك طال ، وأقربه أن قد نصب المقين إليه ليطالبه بألف دينار عينا دينا حالا ، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقرّ له بها فيحبس ، وأقع مع أمه فيما ينغص عيشي إلى أن أزن ذلك عنه للمقين ، فإذا فمنعه حاسبه من الجذور ، ولما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له الأمر فيداويه بما يشكره الله عزوجل ، فجئت فوجدتهما على الباب.
قال : فحين سمع ذلك أبو خازم تبسّم وقال لي : كيف رأيت؟ قال : فقلت : لهذا ولمثله فضّل الله عزوجل القاضي ، وجعلت أدعو له فقال : عليّ بالغلام والشيخ ، فدخلا ، فأرهب أبو خازم على الشيخ ووعظ الغلام ، قال : فأقرّ الشيخ بأن الصورة كما بلغ القاضي وأنه لا شيء له عليه ، وأخذ الرجل بيد ابنه وانصرفوا.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ـ شفاها ـ نا عبد العزيز الكتاني ، أنبأ تمّام بن محمّد ـ إجازة ـ أنبأ أبو عبد الله بن مروان ، نا أبو الحسن بن فيض : أن محمّد بن إسماعيل بن عليّة لم يزل قاضيا بدمشق حتى توفي في سنة أربع وستين ومائتين ، وولي بعده عبد الحميد بن عبد العزيز أبو خازم القضاء بدمشق ، فلم يزل على القضاء أيام أحمد بن طولون وإلى أن قدم المعتضد بالله لحرب ابن طولون ، فخرج معه إلى العراق ، وولى بعده أبو زرعة محمّد بن عثمان (٥).
__________________
(١) عن م وتاريخ بغداد وبالأصل درية.
(٢) تاريخ بغداد : «من أمرهما» بدل مرادهما.
(٣) زيادة عن م وتاريخ بغداد.
(٤) في تاريخ بغداد : وتسبب.
(٥) انظر الخبر مختصرا في سير الأعلام ١٣ / ٥٤١ من طريق محمد بن الفيض.