وفي كتاب حاضر العالم الإسلامي تأليف ستودارد الأمريكي قال : جمال الدين كان أوّل مسلم أيقن بخطر السيطرة الغربيّة المنتشرة في الشرق الإسلامي وتمثّل عواقبها فيما إذا طال عهدها وامتدّت حياتها ورسخت في تربة الشرق قدمها وأدرك شؤم المستقبل وما سينزل بساحة الإسلام والمسلمين من النائبة الكبرى ، فلمّا اشتهر شأن جمال الدين خشيت الحكومات الاستعماريّة أمره وحسبت له ألف حساب ، ونفته بحجّة أنّه يهيّج المسلمين ولم تخف دولة جمال الدين وتضطهده مثل ما خافته واضطهدته الدولة البريطانيّة فسجنته في الهند مدّة ثمّ أطلقت سراحه فجاء إلى مصر وكانت له يد في الثورة العربيّة التي أوقدت نارها في وجه الغربيّين ، فلمّا احتلّت انكلتره مصر نفت جمالا في الحال فزايل مصر وأنشأ يسيح في مختلف البلدان حتّى وصل إلى القسطنطينيّة فتلقّاه عبد الحميد بطل الجامعة الإسلاميّة بالمبرّة والكرامة وقرّبه منه ورفع منزلته فسحر جمال الدين السلطان الداهية بتوقّد ذكائه ونفسه الكبيرة فقلّده رياسة العمل في سبيل الدعوة للجامعة الإسلاميّة ، ويغلب أنّ ما ناله السلطان عبد الحميد من النجاح في سياسته في سبيل الجامعة الإسلاميّة إنّما كان على يد جمال الدين المتوقّد الهمّة ، المشتعل العزم ، وكان عاملا كبيرا في سبيل النهضة الإسلاميّة حتّى النفس الأخير من أنفاسه.
وقال الأمير شكيب أرسلان فيما علّقه على كتاب حاضر العالم الإسلامي : كان جمال الدين من أعاظم رجال الإسلام في القرن التاسع عشر الميلادي ، وكان فيلسوفا كاتبا خطيرا صحفيّا ، وقبل كلّ شيء كان رجلا سياسيّا يرى فيه مريدوه وطنيا كبيرا وأعداؤه مهيّجا خطيرا ، وقد كان له تأثير عظيم في حركات الحرّيّة والمنازع الشورويّة التي جدت في العشرات الأخيرة من هذه السنين في الحكومات الإسلاميّة ، وكانت حركته ترمي إلى تحرير هذه الممالك من السيطرة الغربيّة وإنفاذها من الاستغلال الأجنبي وإلى ترقية شؤونها الداخليّة بتأسيس إدارة حرّة ؛