أمّا منزلته من العلم وغزارة المعارف فليس يحدّها قلمي إلّا بنوع من الإشارة إليها ، لهذا الرجل سلطة على دقائق المعاني وتحديدها وإبرازها في صورها اللائقة بها كأنّ كلّ معنى قد خلق له ، وله قوّة في حلّ ما يعضل منها كأنّه سلطان شديد البطش ، فنظرة منه تفكّك عقدها كلّ موضوع يلقى إليه يدخل للبحث فيه كأنّه صنع يديه فيأتي على أطرافه ويحيط بجميع أكنافه ، ويكشف ستر الغموض عنه فيظهر المستور منه ، وإذا تكلّم في الفنون حكم فيها حكم الواضعين لها. ثمّ له في باب الشعريّات قدرة على الاختراع كأنّ ذهنه عالم الصنع والإبداع ، وله لسان في الجدل وحذق في صناعة الحجّة لا يلحقه فيهما أحد إلّا أن يكون في الناس من لا نعرفه ، وكفاك شاهدا على ذلك أنّه ما خاصم أحدا إلّا خصمه ، ولا جادله عالم إلّا ألزمه ، وقد اعترف له الأوربيّون بذلك بعد ما أقرّ له الشرقيّون.
أمّا أخلاقه فسلامة القلب سائدة في صفائه ، وله حلم عظيم يسع ما شاء الله أن يسع إلى أن يدنو منه أحد ليس شرفه أو دينه فينقلب الحلم إلى غضب فبينما هو حليم أوّاب إذا هو أسد وثّاب ، وهو كريم يبذل ما بيده ، قويّ الاعتماد على الله ، لا يبالي ما تأتي به صروف الدهر ، عظيم الأمانة ، سهل لمن لاينه ، صعب على من خاشنه ، طموح إلى مقصده السياسي.
أمّا خلقه فهو يمثّل لناظره عربيّا محضا من أهالي الحرمين ، ربعة في طوله ، وسط في بنيته ، قمحيّ في لونه ، عصبيّ دمويّ في مزاجه ، عظيم الرأس في اعتدال ، عرض الجبهة في تناسب ، واسع العينين ، عظيم الأحداق ، ضخم الوجنات ، رحب الصدر ، جليل في النظر ، هشّ بشّ عند اللقاء ، قد وفّاه الله من كمال خلقه ما ينطبق على كمال خلقه.