حكيمة كقولك : تلك آيات الكتاب الحكيم على أحد التأويلين في قوله : (الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (١) وقيل : من أحكمت الدابة إذا منعها من الجماح بوضع الحكمة عليها ، فالمعنى : منعت من النساء كما قال جرير :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم |
|
إني أخاف عليكم أن أغضبا |
وعن قتادة : أحكمت من الباطل. قال ابن قتيبة : أحكمت أتقنت شبه ما يحكم من الأمور المتقنة الكاملة ، وبهذه الصفة كان القرآن في الأول ، ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكامه وأوامره على محمد صلىاللهعليهوسلم فثم على بابها ، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل. إذ الإحكام صفة ذاتية ، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له ، والكتاب أجمعه محكم مفصل ، والإحكام الذي هو ضد النسخ ، والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال ، إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى الطبري عن بعض المتأولين : أحكمت بالأمر والنهي ، وفصلت بالثواب والعقاب. وعن بعضهم : أحكمت من الباطل ، وفصلت بالحلال والحرام ، ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ، ولكن لا يقتضيه اللفظ. وقيل : فصلت معناه فسرت. وقال الزمخشري : ثم فصلت كما تفصل القلائد بالدلائل من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص ، أو جعلت فصولا سورة سورة وآية آية ، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة ، أو فصل بها ما يحتاج إليه العباد أي بيّن ولخص. وقرأ عكرمة ، والضحاك ، والجحدري ، وزيد بن علي ، وابن كثير في رواية : ثم فصلت بفتحتين ، خفيفة على لزوم الفعل للآيات. قال صاحب اللوامح : يعني انفصلت وصدرت. وقال ابن عطية : فصلت بين المحق والمبطل من الناس ، أو نزلت إلى الناس كما تقول : فصل فلان بسفره.
قال الزمخشري : وقرىء أحكمت آياته ثم فصلت أي : أحكمتها أنا ، ثم فصلتها. (فإن قلت) : ما معنى ثم؟ (قلت) : ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال ، كما تقول : هي محكمة أحسن الإحكام ، ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وفلان كريم الأصل ، ثم كريم الفعل انتهى. يعني أنّ ثم جاءت لترتيب الاخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان ، واحتمل من لدن أن يكون في موضع الصفة. ومن أجاز تعداد الأخبار إذا لم تكن في معنى خبر واحد أجاز أن يكون خبرا بعد خبر. قال الزمخشري : أن يكون صلة أحكمت وفصلت أي : من عنده إحكامها وتفصيلها. وفيه طباق حسن ، لأنّ المعنى أحكمها حكيم وفصلها
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١.