ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل ، وقيل : هو علي بن أبي طالب. وروى المنهال عن عبادة بن عبد الله ، قال علي كرم الله وجهه : ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل : فما نزل فيك؟ قال : ويتلوه شاهد منه ، وبه قال محمد بن علي وزيد بن علي. وقيل : هو الإنجيل قاله : الفراء. وقيل : هو القرآن ، وقيل : هو إعجاز القرآن قاله الحسين بن الفضل ، وقيل : صورة الرسول صلىاللهعليهوسلم ووجهه ومخايله ، لأنّ كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، والضمير في منه يعود إلى الدين أو إلى الرسول ، أو إلى القرآن. ويتلوه بمعنى يتبعه ، أو يقرؤه ، والضمير المرفوع في يتلوه والمنصوب والمجرور في منه يترتب على ما يناسبه كل قوم من هذه.
وقرأ محمد بن السائب الكلبي وغيره : كتاب موسى بالنصب عطفا على مفعول يتلوه ، أو بإضمار فعل. وإذا لم يعن بالشاهد الإنجيل فإنما خص التوراة بالذكر ، لأنّ الملتين مجتمعتان على أنها من عند الله ، والإنجيل يخالف فيه اليهود ، فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الفريقين أولى. وهذا يجري مع قول الجن : (إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) (١) ومع قول النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وانتصب إماما على الحال ، والذي يظهر في تفسير هذه الآية أنه تعالى لما ذكر الكفار وأنهم ليس لهم إلا النار ، أعقب بضدهم وهم المؤمنون ، وهم الذين على بينة من ربهم ، والشاهد القرآن ، ومنه عائد على ربه. ويدل على أنّ الشاهد القرآن ذكر قوله : ومن قبله ، أي : ومن قبل القرآن كتاب موسى ، فمعناه : أنه تضافر على هدايته شيئان : كونه على أمر واضح من برهان العقل ، وكونه يوافق ذلك البرهان هذين الكتابين الإلهيين القرآن والتوراة ، فاجتمع له العقل والنقل. والإشارة بأولئك إلى من كان على بينة راعى معنى مع ، فجمع والضمير في به يعود إلى التوراة ، أو إلى القرآن ، أو إلى الرسول ، ثلاثة أقوال. والأحزاب جميع الملل قاله : ابن جبير ، أو اليهود ، والنصارى ، قاله قتادة. أو قريش قاله : السدي ، أو بنو أمية وبنو المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وآل أبي طلحة بن عبيد الله ، قاله مقاتل. وقال الزمخشري : يعني أهل مكة ومن ضامّهم من المتحزبين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم انتهى. فالنار موعده أي : مكان وعده الذي يصيرون إليه. وقال حسان :
أوردتمونا حياض الموت ضاحية |
|
فالنار موعدها والموت لاقيها |
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٠.