ينصرني ، استفهام معناه لا ناصر لي من عقاب الله إن طردتهم عن الخير الذي قد قبلوه ، أو لأجل إيمانهم قاله : الفراء ، وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به أنفة منهم أن يكونوا معهم على سواء ، ثم وقفهم بقوله : أفلا تذكرون ، على النظر المؤدّي إلى صحة هذا الاحتجاج. وتقدم تفسير الجمل الثلاث في الأنعام. وتزدري تفتعل ، والدال بدل من التاء قال :
ترى الرجل النحيف فتزدريه |
|
وفي أثوابه أسد هصور |
وأنشد الفراء :
يباعده الصديق وتزدريه |
|
حليلته وينهره الصغير |
والعائد على الموصول محذوف أي : تزدرونهم ، أي : تستحقرهم أعينكم. ولن يؤتيهم معمول لقوله : ولا أقول ، وللذين معناه لأجل الذين. ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب ، أي : ليس احتقاركم إياهم ينقص ثوابهم عند الله ولا يبطل أجورهم ، الله أعلم بما في أنفسهم ، تسليم لله أي : لست أحكم عليهم بشيء من هذا ، وإنما الحكم بذلك لله تعالى الذي يعلم ما في أنفسهم فيجازيهم عليه. وقيل : هو رد على قولهم : اتبعك أراذلنا ، أي لست أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير لظنكم بهم ، إن بواطنهم ليست كظواهرهم ، الله عزوجل أعلم بما في نفوسهم ، إني لو فعلت ذلك لمن الظالمين ، وهم الذين يضعون الشيء في غير مواضعه ، قد جادلتنا الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة. وقال الكلبي : دعوتنا ، وقيل : وعظتنا ، وقيل : أتيت بأنواع الجدال وفنونه فما صح دعواك.
وقرأ ابن عباس : فأكثرت جدلنا كقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (١) فأتنا بما تعدنا من العذاب المعجل وما بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي بما تعدناه ، أو مصدرية. وإنما كثرت مجادلته لهم لأنّه أقام فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين عاما ، وهو كل وقت يدعوهم إلى الله وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم. قال : إنما يأتيكم به الله ، أي ليس ذلك إليّ إنما هو للإله الذي يعاقبكم على عصيانكم إن شاء أي : إن اقتضت حكمته أن يعجل عذابكم وأنتم في قبضته لا يمكن أن تفلتوا منه ، ولا أن تمتنعوا. ولما قالوا : قد جادلتنا ، وطلبوا تعجيل العذاب ، وكان مجادلته لهم إنما هو على سبيل النصح والإنقاذ من عذاب الله قال : ولا ينفعكم نصحي.
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٥٤.