كان ابنه فقال : ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب؟ واستدل بقوله من أهلي ولم يقل مني ، فعلى هذا يكون ربيبا. وكان عكرمة ، والضحاك ، يحلفان على أنه ابنه ، ولا يتوهم أنه كان لغير رشدة ، لأن ذلك غضاضة عصمت منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وروي ذلك عن الحسن وابن جريج ، ولعله لا يصح عنها. وقال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، والذي يدل عليه ظاهر الآية أنه ابنه ، وأما قراءة من قرأ ابنه أو ابنها فشاذة ، ويمكن أن نسب إلى أمه وأضيف إليها ، ولم يضف إلى أبيه لأنه كان كافرا مثلها ، يلحظ فيه هذا المعنى ولم يضف إليه استبعادا له ، ورعيا أن لا يضاف إليه كافر ، وإنما ناداه ظنا منه أنه مؤمن ، ولو لا ذلك ما أحب نجاته. أو ظنا منه أنه يؤمن إن كان كافرا لما شاهد من الأهوال العظيمة ، وأنه يقبل الإيمان. ويكون قوله : اركب معنا كالدلالة على أنه طلب منه الإيمان ، وتأكد بقوله : ولا تكن مع الكافرين ، أي اركب مع المؤمنين ، إذ لا يركب معهم إلا مؤمن لقوله : ومن آمن.
وفي معزل أي : في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين. وقيل : في معزل عن دين أبيه ، ونداؤه بالتصغير خطاب تحنن ورأفة ، والمعنى : اركب معنا في السفينة فتنجو ولا تكن مع الكافرين فتهلك. وقرأ عاصم يا بني بفتح الياء ، ووجه على أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف ، وأصله يا بنيا كقولك : يا غلاما ، كما اجتزأ باقي السبعة بالكسرة عن الياء في قراءتهم يا بني بكسر الياء ، أو أن الألف انحذفت لالتقائها مع راء اركب. وظن ابن نوح أن ذلك المطر والتفجير على العادة ، فلذلك قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء أي : من وصول الماء إليّ فلا أغرق ، وهذا يدل على عادته في الكفر ، وعدم وثوقه بأبيه فيما أخبر به.
قيل : والجبل الذي عناه طور زيتا فلم يمنعه ، والظاهر إبقاء عاصم على حقيقته وأنه نفى كل عاصم من أمر الله في ذلك الوقت ، وأنّ من رحم يقع فيه من على المعصوم. والضمير الفاعل يعود على الله تعالى ، وضمير الموصول محذوف ، ويكون الاستثناء منقطعا أي : لكن من رحمة الله معصوم ، وجوزوا أن يكون من الله تعالى أي لا عاصم إلا الراحم ، وأن يكون عاصم بمعنى ذي عصمة ، كما قالوا لابن أي : ذو لبن ، وذو عصمة ، مطلق على عاصم وعلى معصوم ، والمراد به هنا المعصوم. أو فاعل بمعنى مفعول ، فيكون عاصم بمعنى معصوم ، كماء دافق بمعنى مدفوق. وقال الشاعر :
بطيء القيام رخيم الكلام |
|
أمي فؤادي به فاتنا |