بنقول ، فهي في موضع المفعول ، ودلت على بله شديد وجهل مفرط ، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم. وقول هود لهم في جواب ذلك : إني أشهد الله إلى آخره ، حيث تبرأ من آلهتهم ، وحرضهم كلهم مع انفراده وحده على كيده بما يشاؤون ، وعدم تأخره من أعظم الآيات على صدقه وثقته بموعود ربه من النصر له ، والتأييد والعصمة من أن ينالوه بمكروه ، هذا وهم حريصون على قتله يرمونه عن قوس واحدة. ومثله قول نوح لقومه : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (١) وأكد براءته من آلهتهم وشركهم ، ووقفها بما جرت عليه عادة الناس من توثيقهم الأمر بشهادة الله وشهادة العباد.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : هلا قيل : إني أشهد الله وأشهدكم (قلت) : لأنّ إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد ، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب ، فعدل به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما ، وجيء به على لفظ الأمر بالشهادة انتهى. وإني بريء تنازع فيه أشهد واشهدوا ، وقد يتنازع المختلفان في التعدي الاسم الذي يكون صالحا لأن يعملا فيه تقول : أعطيت زيدا ووهبت لعمر ودينارا ، كما يتنازع اللازم والمتعدي نحو : قام وضربت زيدا. وما في ما تشركون موصولة ، إما مصدرية ، وإما بمعنى الذي أي : بريء من إشراككم آلهة من دونه ، أو من الذين تشركون ، وجميعا حال من ضمير كيدوني الفاعل ، والخطاب إنما هو لقومه. وقال الزمخشري : أنتم وآلهتكم انتهى. قيل : ومجاهرة هود عليهالسلام لهم بالبراءة من أديانهم ، وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزة لهود ، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم ، فلم يقدروا على نيله بسوء ، ثم ذكر توكله على الله معلما أنه ربه وربهم ، ومنبها على أنه من حيث هو ربكم يجب عليكم أن لا تعبدوا إلا إياه ، ومفوضا أمره إليه تعالى ثقة بحفظه وانجاز موعوده ، ثم وصف قدرة الله تعالى وعظيم ملكه من كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه ، فأنتم من جملة أولئك المقهورين. وقوله : آخذ بناصيتها تمثيل ، إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته ، كما يقاد الأسير والفرس بناصيته ، حتى صار الأخذ بالناصية عرفا في القدرة على الحيوان ، وكانت العرب تجز ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنه قد قدر عليه وقبض على ناصيته. قال ابن جريج : وخص الناصية لأن العرب إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالت : ما ناصية فلان إلا بيد
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٧١.