إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ. وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) : لما أمرهم شعيب بعبادة الله وترك عبادة أوثانهم ، وبإيفاء المكيال والميزان ، ردّوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزء بقولهم : أصلاتك ، وكان كثير الصلاة ، وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا أن نترك ما يعبد آباؤنا مقابل لقوله : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) (١) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء مقابل لقوله : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) (٢) وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز ، كما كانت ناهية في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٣) أو يقال : إنها تأمر بالجميل والمعروف أي : تدعو إليه وتبعث عليه. إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز ، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته. والمعنى : فأمرك بتكليفنا أن نترك ، فحذف المضاف لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره. والظاهر أنه أريد بالصلاة الصلاة المعهودة في تلك الشريعة. وقال الحسن : لم يبعث الله نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة. وقيل : أريد قراءتك. وقيل : مساجدك. وقيل : دعواتك. وقرأ ابن وثاب والأخوان وحفص : أصلاتك على التوحيد. وقرأ الجمهور : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء بالنون فيهما. وقرأ الضحاك بن قيس ، وابن أبي عبلة ، وزيد بن علي : بالتاء فيهما على الخطاب ، ورويت عن أبي عبد الرحمن. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة : نفعل بالنون ، ما نشاء بالتاء على الخطاب ، ورويت عن ابن عباس. فمن قرأ بالنون فيهما فقوله : أو أن نفعل معطوف على قوله : ما يعبد أي : أن نترك ما يعبد آباؤنا وفعلنا في أموالنا ما نشاء. ومن قرأ بالتاء فيهما أو بالنون فيهما فمعطوف على أن نترك أي : تأمرك بترك ما يعبد آباؤنا ، وفعلك في أموالنا ما تشاء ، أو وفعلنا في أموالنا ما تشاء. وأو للتنويع أي : تأمرك مرة بهذا ، ومرة بهذا. وقيل : بمعنى الواو. والظاهر أنّ الذي كانوا يفعلونه في أموالهم هو بخس الكيل والوزن المقدّم ذكره. وقال محمد بن كعب : قرضهم الدينار والدرهم ، وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس ، وعن ابن المسيب : قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض. وقيل : تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس. ومن قرأ بالتاء فيهما أو في نشاء ، والظاهر أنه إيفاء المكيال والميزان. وقال سفيان الثوري : كان يأمرهم بالزكاة. وقوله : إنك لأنت الحليم الرشيد ظاهره أنه إخبار منهم عنه
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٩.
(٢) سورة هود : ١١ / ٨٤.
(٣) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.