ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم. عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليهالسلام ، وعلموا أن معه الرشد والحق ، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في اتباعه رشد. ويحتمل أن يكون رشيد بمعنى راشد ، ويكون رشيد بمعنى مرشد أي بمرشد إلى خير. وكان فرعون دهريا نافيا للصانع والمعاد ، وكان يقول : لا إله للعالم ، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم ، فلذلك كان أمره خاليا عن الرشد بالكلية. والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى ، والغي ضده. ويقال : قدم زيد القوم يقدم قدما ، وقدوما تقدمهم والمعنى : أنه يقدم قومه المغرقين إلى النار ، وكما كان قدوة في الضلال متبعا كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه. ويحتمل أن يكون قوله : برشيد بحميد ، العاقبة ، ويكون قوله : يقدم قومه ، تفسيرا لذلك وإيضاحا أي : كيف يرشد أمر من هذه عاقبته؟ وعدل عن فيوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة ، فكأنه قد وقع ، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف. أو هو ماض حقيقة أي : فأوردهم في الدنيا النار أي : موجبه وهو الكفر. ويبعد هذا التأويل الفاء والورود في هذه الآية. ورود الخلود وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (١) ويحتمل أن تكون النار تصيبه على إعمال الثاني لأنه تنازعه يقدم أي : إلى النار وفأوردهم ، فأعمل الثاني وحذف معمول الأول. والهمزة في فأوردهم للتعدية ، ورد يتعدى إلى واحد ، فلما أدخلت الهمزة تعدى إلى اثنين ، فتضمن واردا ومورودا. ويطلق الورد على الوارد ، فالورد لا يكون المورود ، فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم ، فالتقدير : وبئس مكان الورد المورود ويعني به النار. فالورد فاعل ببئس ، والمخصوص بالذم المورود وهي النار. ويجوز في إعراب المورود ما يجوز في زيد من قولك : بئس الرجل زيد ، وجوز ابن عطية وأبو البقاء أن يكون المورود صفة للورد أي : بئس مكان الورد المورود النار ، ويكون المخصوص محذوفا لفهم المعنى ، كما حذف في قوله : (فَبِئْسَ الْمِهادُ) (٢) وهذا التخريج يبتنى على جواز وصف فاعل نعم وبئس ، وفيه خلاف. ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز ، وقال الزمخشري : والورد المورود الذي وردوه شبهه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء ، وشبه اتباعه بالواردة ، ثم قيل : بئس الورد الذي يردونه النار ، لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد ، والنار ضده انتهى. وقوله : والورد المورود إطلاق
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٢٣.
(٢) سورة ص : ٣٨ / ٥٦.