«لا ، بل للناس عامة» وانظر إلى الأمر والنهي في هذه الآيات ، حيث جاء الخطاب في الأمر ، (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (١) ، وأقم الصلاة ، موحدا في الظاهر ، وإن كان المأمور به من حيث المعنى عاما ، وجاء الخطاب في النهي : (وَلا تَرْكَنُوا) (٢) موجها إلى غير الرسول صلىاللهعليهوسلم ، مخاطبا به أمته. فحيث كان بأفعال الخير توجه الخطاب إليه ، وحيث كان النهي عن المحظورات عدل عن الخطاب عنه إلى غيره من أمته ، وهذا من جليل الفصاحة. ولا خلاف أنّ المأمور بإقامتها هي الصلوات المكتوبة ، وإقامتها دوامها ، وقيل : أداؤها على تمامها ، وقيل : فعلها في أفضل أوقاتها ، وهي ثلاثة الأقوال التي في قوله تعالى : وأقيموا الصلاة.
وانتصب طرفي النهار على الظرف. وطرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء ، فالذي يظهر أنهما الصبح والعصر ، لأنهما طرفا النهار ، ولذلك وقع الإجماع ، إلا من شذ على أنّ من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمدا أنّ يومه يوم فطر وعليه القضاء والكفارة ، وما بعد طلوع الفجر من النهار. وقد ادعى الطبري والماوردي : الإجماع على أنّ أحد الطرفين الصبح ، والخلاف في ذلك على ما نذكره. وممن قال : هما الصبح والعصر الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وقال : الزلف المغرب والعشاء ، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول ، بل هي في غيرها. وقال مجاهد ومحمد بن كعب : الطرف الأول الصبح ، والثاني الظهر والعصر ، والزلف المغرب والعشاء ، وليست الصبح في هذه الآية. وقال ابن عباس والحسن أيضا : هما الصبح والمغرب ، والزلف العشاء ، وليست الظهر والعصر في الآية. وقيل : هما الظهر والعصر ، والزلف المغرب والعشاء والصبح ، وكان هذا القائل راعى الجهر بالقراءة والإخفاء. واختار ابن عطية قول مجاهد ، وجعل الظهر من الطرف الثاني ليس بواضح ، إنما الظهر نصف النهار ، والنصف لا يسمى طرفا إلا بمجاز بعيد. ورجح الطبري قول ابن عباس : وهو أنّ الطرفين هما الصبح والمغرب ، ولا نجعل المغرب طرفا للنهار إلا بمجاز ، إنما هو طرف الليل. وقال الزمخشري : غدوة وعشية قال : وصلاة الغدوة الصبح ، وصلاة العشية الظهر والعصر ، لأنّ ما بعد الزوال عشي ، وصلاة الزلف المغرب والعشاء انتهى. ولا يلزم من إطلاق العشي على ما بعد الزوال أن يكون الظهر طرفا للنهار ، لأن الأمر إنما جاء بالإقامة للصلاة في طرفي النهار ، لا في الغداة والعشي.
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١١٢.
(٢) سورة هود : ١١ / ١١٣.