خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) : تقدم تفسير شبيه هذه الآية في الأنعام ، إلا أن هنا ليهلك وهي آكد في النفي ، لأنه على مذهب الكوفيين زيدت اللام في خبر كان على سبيل التوكيد ، وعلى مذهب البصريين توجه النفي إلى الخبر المحذوف المتعلق به اللام ، وهنا وأهلها مصلحون. قال الطبري : بشرك منهم وهم مصلحون أي : مصلحون في أعمالهم وسيرهم ، وعدل بعضهم في بعض أي : أنه لا بد من معصية تقترن بكفرهم ، قاله الطبري ناقلا. قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قال : إن الله يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور ، ولو عكس لكان ذلك متجها أي : ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان. والذي رجح ابن عطية أن يكون التأويل بظلم منه تعالى عن ذلك. وقال الزمخشري : وأهلها مصلحون تنزيها لذاته عن الظلم ، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظلم انتهى. وهو مصادم للحديث : «أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم ، إذا كثر الخبث» وللآية : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١).
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) : قال الزمخشري : يعني لاضطرارهم إلى أن يكونوا أهل ملة واحدة وهي ملة الإسلام كقوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (٢) وهذا كلام يتضمن نفي الاضطرار ، وأنه لم يقهرهم على الاتفاق على دين الحق ، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق ، وبعضهم الباطل ، فاختلفوا ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك إلا ناسا
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٢٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٢.