خلقهم أي لملء جهنم منهم ، وهذا بعيد جدا من تراكيب كلام العرب. وقيل : إشارة إلى شهود ذلك اليوم المشهود ، وقيل : إلى قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (١) وقيل : إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير ، وقيل : إشارة إلى قوله : (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) (٢) وقيل : إشارة إلى العبادة ، وقيل : إلى الجنة والنار ، وقيل : للسعادة والشقاوة. وقال الزمخشري : ولذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام أولا من التمكين والاختيار الذي عنه الاختلاف ، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. ولو لا أن هذه الأقوال سطرت في كتب التفسير لضربت عن ذكرها صفحا.
وتمت كلمة ربك أي : نفذ قضاؤه وحق أمره. واللام في لأملأن ، هي التي يتلقى بها القسم ، أو الجملة قبلها ضمنت معنى القسم كقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) (٣) ثم قال : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) (٤) والجنة والجن بمعنى واحد. قال ابن عطية : والهاء فيه للمبالغة ، وإن كان الجن يقع على الواحد ، فالجنة جمعه انتهى. فيكون مما يكون فيه الواحد بغير هاء ، وجمعه بالهاء لقول بعض العرب : كمء للواحد ، وكمأة للجمع.
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) : الظاهر أن كلا مفعول به ، والعامل فيه نقص ، والتنوين عوض من المحذوف ، والتقدير : وكل نبأ نقص عليك. ومن أنباء الرسل في موضع الصفة لقوله : وكلا إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة ، وما صلة كما هي في قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٥) قيل : أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما نثبت ، فتكون ما بمعنى الذي ، أو مصدرية. وأجازوا أن ينتصب كلا على المصدر ، وما نثبت مفعول به بقولك نقص ، كأنه قيل : ونقص عليك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص. وأجازوا أن يكون كلا نكرة بمعنى جميعا ، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما ، أو من المجرور الذي هو الضمير في به على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور بالحرف عليه ، التقدير : ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء التي نثبت بها فؤادك جميعا أي : المثبتة فؤادك جميعا. قال ابن عباس : نثبت نسكن ، وقال الضحاك : نشد ، وقال ابن جريج : نقوي. وتثبيت الفؤاد هو بما جرى
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١٠٥.
(٢) سورة هود : ١١ / ١١٦.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٨١.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٨١.
(٥) سورة الأعراف : ٧ / ٣.