مستحيلا ذلك في حقه صلىاللهعليهوسلم فقيل له : قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي. وانتفاء الكون هنا هو كقوله تعالى : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) (١) أي يستحيل ذلك. ويحتمل أن يكون التبديل في الذات على أن يلحظ في قوله : ائت بقرآن غير هذا ، إبقاء هذا القرآن ويؤتى بقرآن غيره ، فيكون أو بدله بمعنى أزله بالكلية وائت ببدله ، فيكون المطلوب أحد أمرين : إما إزالته بالكلية وهو التبديل في الذات ، أو الإتيان بغيره مع بقائه فيحصل التغاير بين المطلوبين. وتلقاء مصدر كالبنيان ، ولم يجيء مصدر على تفعال غيرهما ، ويستعمل ظرفا للمقابلة تقول : زيد تلقاءك. وقرىء بفتح التاء ، وهو قياس المصادر التي للمبالغة كالتطواف والتجوال والترداد والمعنى : من قبل نفسي أن أتبع فيما آمركم به وما أنهاكم عنه من غير زيادة ولا نقصان ، ولا تبديل إلا ما يجيئني خبره من السماء. واستدل بقوله : إن أتبع إلا ما يوحى إليّ على نفي الحكم بالاجتهاد ، وعلى نفي القياس ، وإنما قالوا : ائت بقرآن غير هذا أو بدله ، لأنهم كانوا لا يعترفون بأنّ القرآن معجز ، أو إن كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله. ألا ترى إلى قولهم : لو نشاء لقلنا مثل هذا وقولهم : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (٢) ولا يمكن أن يريدوا إئت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي لقوله : إني أخاف.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : فما كان غرضهم وهم أدهى الناس وأمكرهم في هذا الاقتراح؟ (قلت) : المكر والكيد. أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه إنه من عندك ، وإنك لقادر على مثله ، فأبدل مكانه آخر. وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال ، وأنه إن وجد منه تبديل فإما أن يهلكه الله فننجو منه ، أو لا يهلكه فيسخروا منه ، ويجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحا لافترائه على الله تعالى انتهى. وإن عصيت بالتبديل من تلقاء نفسي ، وتقدم اتباع الوحي ، وتركي العمل به ، وهو شرط جوابه محذوف دل عليه ما قبله. واليوم العظيم : هو يوم القيامة ، ووصف بالعظم لطوله ، أو لكثرة شدائده ، أو للمجموع. وانظر إلى حسن هذا الجواب لما كان أحد المطلوبين التبديل بدأ به في الجواب ، ثم أتبع بأمر عام يشمل انتفاء التبديل وغيره ، ثم أتى بالسبب الحامل على ذلك وهو الخوف ، وعلقه بمطلق العصيان ، فبأدنى عصيان ترتب الخوف.
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٦٠.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٢١ ـ ٩٣ ـ ١٤٤. والأعراف : ٧ / ٧.