والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن يوسف كان صغيرا ، فقيل : كان عمره إذ ذاك سبع سنين. وقيل : ست ، قاله الضحاك. وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة ، وثمان عشرة سنة ، وكلاهما عن الحسن ، أو سبع عشرة سنة قاله ابن السائب. ويدل على أنه كان صغيرا بحيث لا يدفع نفسه قوله : وأخاف أن يأكله الذئب ويرتع ويلعب وإنا له لحافظون ، وأخذ السيارة له ، وقول الوارد : هذا غلام ، وقول العزيز : عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وما حكى من حملهم إياه واحدا بعد واحد ، ومن كلامه لأخيه يهوذا : ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني ، وارحم قلب أبيك يعقوب. ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة ، ولا يقال فيه : وإنا له لحافظون ، لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه ، ولا يسمى غلاما إلا بمجاز ، ولا يقال فيه : أو نتخذه ولدا. وعشاء نصب على الظرف ، أو من العشوة. والعشوة : الظلام ، فجمع على فعال مثل راع ورعاء ، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن عشا على وزن دجى ، جمع عاش ، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك ، وأصله مالكة. وعن الحسن عشيا على التصغير. قيل : وإنما جاؤوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة ، ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل فإنّ الحياء في العينين ، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار. وفي الكلام حذف تقديره : وجاؤوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون ، فقال : أين يوسف؟ قالوا : إنا ذهبنا. وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال : ما لكم ، أجرى في الغنم شيء؟ قالوا : لا. قال : فأين يوسف؟ قالوا : إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب ، فبكى ، وصاح ، وخر مغشيا عليه ، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ، ونادوه فلم يجب ، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا ، فلم يفق إلا ببرد السحر. قال الأعمش : لا يصدق باك بعد إخوة يوسف. ونستبق ، أي : نترامى بالسهام ، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدوا ، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب ، أو نتصيد. أربعة أقوال. عند متاعنا أي : عند ثيابنا ، وما تجردنا له حالة الاستباق. وهذا أيضا يدل على صغر يوسف ، إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم ، فأكله الذئب قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم ، وأخاف أن يأكله الذئب ، لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه. وما أنت بمؤمن لنا أي : بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين. أو لست مصدقا لنا على كل حال حتى في حالة الصدق ، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف ، وأنا