كعب السلام علاك ، قيل : ثم همز على لغة من قال في العالم العألم. وقرأ شهر بن خوشب والأعمش : ولا أنذرتكم به بالنون والذال من الإنذار ، وكذا هي في حرف ابن مسعود ، ونبّه على أنّ ذلك وحي من الله تعالى بإقامته فيهم عمرا وهو أربعون سنة من قبل ظهور القرآن على لساني يافعا وكهلا ، لم تجربوني في كذب ، ولا تعاطيت شيئا من هذا ، ولا عانيت اشتغالا ، فكيف أتهم باختلاقه؟ أفلا تعقلون أنّ من كان بهذه الطريقة من مكثه الأزمان الطويلة من غير تعلم ، ولا تتلمذ ، ولا مطالعة كتاب ، ولا مراس جدال ، ثم أتى بما ليس يمكن أن يأتي به أحد ، ولا يكون إلا محقا فيما أتى به مبلغا عن ربه ما أوحى إليه وما اختصه به؟ كما جاء في حديث هر قل : «هل جربتم عليه كذبا؟ قال : لا فقال : لم يكن ليدع الكذب على الخلق ويكذب على الله». وأدغم ثاء لبثت أبو عمرو ، وأظهرها باقي السبعة. وقرأ الأعمش : عمرا بإسكان الميم ، والظاهر عود الضمير في من قبله على القرآن. وأجاز الكرماني أن يعود على التلاوة ، وعلى النزول ، وعلى الوقت يعني : وقت نزوله.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) : تقدم تفسير مثل هذا الكلام ، ومساقه هنا باعتبارين : أحدهما : أنه لما قالوا : ائت بقرآن غير هذا أو بدله ، كان في ضمنه أنهم ينسبونه إلى أنه ليس من عند الله وإنما هو اختلاق ، فبولغ في ظلم من افترى على الله كذبا كما قال : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ، أو قال : أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ، ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله وقد قام الدليل القاطع على أنّ هذا القرآن هو من عند الله ، وقد كذبتم بآياته ، فلا أحد أظلم منكم. والاعتبار الثاني : أنّ ذلك توطئة لما يأتي بعده من عبادة الأوثان أي : لا أحد أظلم منكم في افترائكم على الله أنّ له شريكا ، وأن له ولدا ، وفيما نسبتم إليه من التحليل والتحريم.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) : الضمير في ويعبدون عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاورتهم. وما لا يضرهم ولا ينفعهم هو الأصنام ، جماد لا تقدر على نفع ولا ضر. قيل : إن عبدوها لم تنفعهم ، وإن تركوا عبادتها لم تضرهم. ومن حق المعبود أن يكون مثيبا على الطاعة ، معاقبا على المعصية. وكان أهل الطائف يعبدون اللات ، وأهل مكة العزى ومناة وأسافا ونائلة وهبل ، والأخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم ، والتنبيه على