الاختلاف ، هو الوجه والاختلاف بسبب الكفر ، هو المقتضى للوعيد ، لا الاختلاف الذي هو بسبب الإيمان ، إذ لا يصلح أن يكون سببا للوعيد ، وقد تقدم الكلام على نحو هذا في البقرة في قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (١) ولكن أعدنا الكلام فيه لبعده.
والكلمة هنا هو القضاء ، والتقدير : لبني آدم بالآجال المؤقتة. قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الكلمة في أمر القيامة ، وأنّ العقاب والثواب إنما يكون حينئذ. وقال الزمخشري : هو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة يقضي بينهم عاجلا فيما اختلفوا فيه ، وتمييز المحق من المبطل. وسبقت كلمة الله بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف ، وتلك دار ثواب وعقاب. وقال الكلبي : الكلمة أنّ الله أخبر هذه الأمة لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلى يوم القيامة ، فلو لا هذا التأخير لقضى بينهم بنزول العذاب ، أو بإقامة الساعة. وقيل : الكلمة السابقة أن لا يأخذ أحدا إلا بحجة وهو إرسال الرسل. وقيل : الكلمة قوله : سبقت رحمتي غضبي (٢) ولو لا ذلك ما أخر العصاة إلى التوبة.
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) : هذا من اقتراحهم. قال الزمخشري : وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها ، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات ، دقيقة المسلك من بين المعجزات. وجعلوا نزولها كلا نزول ، فكأنه لم ينزل عليه قط حتى قالوا : لو لا أنزل عليه آية واحدة من ربه ، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغي فقل : إنما الغيب لله أي : هو المختص بعلم الغيب المستأثر به ، لا علم لي ولا لأحد به. يعني : أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه ، فانتظروا نزول ما اقترحتموه إني معكم من المنتظرين بما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات. وقال ابن عطية : آية من ربه ، آية تضطر الناس إلى الإيمان ، وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط ، ولا من المعجزات اضطرارية ، وإنما هي معرضة النظر ليهتدي قوم ويضل آخرون ، فقل : إنما الغيب لله إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، لا يطلع على غيبه في ذلك أحد. وقوله : فانتظروا ، وعيد وقد صدقه الله تعالى بنصرته محمدا صلىاللهعليهوسلم. وقيل : الآية التي اقترحوا أن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٣.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٠.